طلال سلمان

تداعيات سياسية حول »زخة مطر« بيروتية

فضحتنا »زخة مطر« في لحظة غضب أخرجت الطبيعة عن طورها الخريفي لسبب يصعب تحديده، كما يصعب فهم الكثير من السياسات والمواقف العربية.
فضحتنا »زخة مطر« انهمرت على بيروت وضواحيها، من دون سابق إنذار، كمجتمع يتعاطى مع التنظيم المدني كأنه عقوبة، أكثر مما فضحت الأجهزة الإدارية المعنية بمعالجة نتائج الكوارث بعد وقوعها، أو تلك المنشأة بالأصل لتهتم بمنع الكوارث أو التخفيف من أضرارها بتدابير وقائية سابقة على وقوعها أو هي تحد من الكارثة إذا ما وقعت..
فضحت المخالفات في شروط البناء، سواء في الملاجئ ومواقف السيارات أو في عدد الطوابق، وفي التعديات على حرم الطرقات، والتداخل في الصلاحيات بين البلديات، وبشكل نافر بين المجلس البلدي لمدينة بيروت وبين محافظها (وهي أزمة سابقة على الصراع العربي الإسرائيلي وباقية بعده..)، والتشارك في الاختصاصات بين المجالس والإدارات والوزارات، إضافة إلى العذر الجاهز والدائم وهو النقص في الإمكانات والتجهيزات..
فضحتنا حتى لقد تعذر وجود »الممر الآمن« كالذي ستتكرّم به سلطات الاحتلال الإسرائيلي على الفلسطينيين، حتى لا يشكل انتقالهم من مخيم السلطة في غزة إلى مخيم السلطة في رام الله، مثلاً، أي خطر على الإسرائيليين، جنوداً كانوا أم مستوطنين مدججين بالأسلحة، يتمترسون فوق التلال ويقيمون قلاعاً لمستوطناتهم »الشرعية« و»غير الشرعية« فوق أرض منتزعة من الفلسطينيين »بالقانون«، ويعمل في بنائها فوق أرضهم هؤلاء الفلسطينيون بالأجر الضروري لشراء الخبز وقوت العيال!
.. وفوق هذا »الممر الآمن« ستقوم »دولة« السلطة، التي لن تتجاوز مساحتها 18 في المائة من مساحة الضفة الغربية، والتي تكفي »زخة مطر« على شكل مستوطنات جديدة، أو طرق التفافية لتأمين المستوطنات القائمة، أو »معازل« لكي يمر أولئك الفلسطينيون بعيداً عن الإسرائيليين الذين يحتلون المساحة الباقية والضرورية لأمن مدنهم ومستوطناتهم، لإذابتها ومسحها تماما عن أرض فلسطين!
»زخة مطر« واحدة، فإذا »الممر الآمن« غير آمن، وإذا وزير الدفاع الأميركي يجيء في جولة تحصيل جديدة يجمع خلالها ما تبقى من أموال منقولة وغير منقولة ومن موارد في دول الجزيرة والخليج، مستنزفاً من كانوا أغنياء بين العرب الفقراء، فصارت بلادهم مستودعات لسلاح لن يستخدم، وصار قرارهم السياسي رهينة احتياجات الاقتصاد الأميركي (والبريطاني).
ما أعظم أفضال صدام حسين على الاقتصاد الأميركي والبريطاني والفرنسي، من مصانع السلاح إلى شركات المقاولات، الى شركات التقنيات العالية الخ!
هنا تحولت »زخة المطر« إلى عاصفة (الصحراء)، والعاصفة الى إعصار ما زال بعد عشر سنوات تقريبا يأكل الزرع والضرع، ويسترهن إرادات ويعطل قدرات ويحتكر »للمتسببين« فيه و»المنتفعين« به نفط الحاضر والمستقبل، منزلاً هؤلاء الذين كانوا يتباهون بثرائهم الى مرتبة المختصمين حول الحماية الجمركية مثل أفضالنا!
أما في الجزائر فقد تكشفت »زخة المطر« التي لبست لبوس الديموقراطية، في انتخاب المرشح الأوحد لرئاسة الجمهورية عن »طوفان« في العواطف الإسرائيلية تجاه هذه البلاد العظيمة التي تجتاحها عاصفة الدم المُراق باسم الدين أو ضد الدين باسم العلمانية!
فبعد »مصافحة المصادفة« في الموكب الجنائزي المغربي، بين بطل »الوئام« في الجزائر عبد العزيز بوتفليقة، وبطل الحروب الإسرائيلية ضد العرب إيهود باراك، ها هو الرئيس الجزائري يندفع في الحوار الاقتصادي مع مهندس »الشرق الأوسط الجديد« شمعون بيريز، مرجئا »الحوار السياسي« الى ما بعد »انتصار« العملية السلمية… كأنما ثمة سياسة من غير الاقتصاد أو خارج دائرة تأثيره!
وبين المصافحة والحوار تكشّفت وقائع خطيرة عن تعاون قديم ومفتوح بين أجهزة المخابرات (والجيش عموما؟) في الجزائر وبين »الموساد« الإسرائيلي تحت لافتة التعاون مع »اللواء الطبي« وبقصد إنقاذ الجرحى لا أكثر!
هي »زخة مطر« إسرائيلية فوق أرض المليون شهيد، تكاد تذهب بذكراهم، بينما يتعذر فتح »ممر آمن« للأخوة بين الجزائر والمغرب، وتنذر المراصد الأميركية بعاصفة صحراء أخرى لا تبقي ولا تذر!
و»زخة مطر« أميركية أخرى، تعطل الوساطة المصرية الليبية لوقف مأساة حرب الانفصال في السودان، وتقفل »الممر الآمن« الى السلام الأهلي بمسعى عربي خالص، ليس معاديا للأميركيين ولكنه لا ينطلق من البنتاغون، ولا ينتهي في تل أبيب.
وفي الكويت »زخة مطر« ملونة بالإسلام السياسي تكاد تعطل »المعبر الآمن« الى شيء من الديموقراطية.
أما في العراق فالكل ينتظر المطر الذي لا يجيء وتكاد أرض الرافدين تموت جوعا وعطشا من دون أن يجد العراقيون »الممر الآمن« الى وطنهم العظيم!
هي »زخات مطر« يتوالى سقوطها هنا أو هناك، فتوقع المزيد من الكوارث في الأرض اليباب التي يهجرها أهلها مع أول »ممر آمن« ينفتح أمامهم فيحملهم الى خارجها،
لا شيء في موعده الصحيح. لا شيء في مكانه الصحيح. لا شيء يفتح »معبراً آمناً« الى الصح أو الى الهدف الصحيح!
لنتحدث إذن عن موضوع آخر لا يثير الشجن: ما رأيكم في تقسيم الدوائر الانتخابية، وأي قانون لأي طبقة سياسية تريد؟!
طلال سلمان

Exit mobile version