طلال سلمان

تخريب اميركي معلن على مبادرة عربية

هي مصادفة، أو كان يمكن اعتبارها مجرد مصادفة، لولا أن التصريحات المستفزة التي أدلى بها عضو الكونغرس الأميركي بيل نيلسون الذي وصل بيروت قادماً من دمشق، قد جعلتها تبدو وكأنها موعد للتخريب بقصد مقصود.
صحيح أن المبادرة العربية لم تكن قد حققت النجاح المطلوب، ولكن حنكة عمرو موسى وخبرته العميقة بالأوضاع العربية عموماً، وتفهّمه لحراجة الأزمة في لبنان، معززة بالنوايا السودانية الصافية لمصطفى عثمان إسماعيل، كل ذلك كان أدى إلى فتح الأبواب المرصودة للكلام بين قيادة المعارضة وأهل الحكومة ومباشرة تدوير الزوايا بقصد ابتداع صيغة الحل المنشود.
كان الأمين العام للجامعة العربية ومعه ممثل رئاسة القمة العربية يدركان مدى الصعوبة التي تعاظمت بتراكم أسباب الخلاف، نتيجة التباعد الذي صار قطيعة، كما نتيجة التحريض اليومي الذي تمارسه الإدارة الأميركية وأطراف غربية أخرى، وكل ذلك قد أعطى للأزمة أبعاداً دولية خطيرة تغطي مساحة تمتد من بيروت إلى دمشق فطهران، شرقاً، ومن بيروت إلى واشنطن مروراً بباريس وبرلين وإيطاليا غرباً.
كذلك فإن الموفدين العربيين كانا يحاولان الإفادة من تراكم المعرفة لدى السفيرين المصري والسعودي في بيروت، بأحوال الأقطاب المتخاصمين وطبيعة العلاقات في ما بينهم، قبل انفجار الخلاف الذي صار عنوانه الحرب الإسرائيلية على لبنان، وبعد تداعياتها الخطيرة، التي كانت واشنطن أفصح في ترجمتها سياسياً من الحكومة الإسرائيلية الغارقة في فضيحتها العسكرية المدوية…
كان الموفدان العربيان يتعاملان بحذر شديد مع الموضوع المحظور الذي يحمل عنوان العلاقات اللبنانية السورية، مرجئين التعرض له إلى ما بعد نزع الألغام المزروعة في طريق تصحيحها، مفترضين أن وصل ما انقطع من حوار داخلي يمهّد للانتقال في مناخ توافقي ولو بالحد الأدنى إلى التوغل في أساس الأزمة المعطلة للحوار بين بيروت ودمشق..
لكن النائب الأميركي بيل نيلسون وصل وباشر على الفور تفجير قنابله الموقوتة: وقف أمام الصحافيين يتباهى بأنه تجادل بحدة مع الرئيس السوري بشار الأسد، وأنه أبلغه، وكأنه صاحب الكلمة الأخيرة في القرار، أن الإدارة الأميركية لن تسلم لبنان إلى سوريا مقابل الحصول على مساعدتها في معالجة النتائج الكارثية لاحتلالها العراق.
… ثم اتخذ هذا النائب الأميركي لنفسه حق الكلام باسم الشعب اللبناني، فقرّر أنه يقف خلف الحكومة الديموقراطية المنتخبة والتي تمثل الأغلبية!
لقد تبادلنا كلاماً حاداً جداً خلال اللقاء ، تحدث وكأنه، ولمجرد كونه أميركياً، يستطيع الخروج على الأصول والتعريض بكرامة رئيس عربي أمام من ما زالوا عرباً!
وانفرجت أسارير من يعتبر حل الأزمة في لبنان هزيمة سياسية له، وعبّر القائلون بالحرب على دمشق عن فرحتهم بهذه النجدة السريعة تأتيهم فتعفيهم من مزيد من الحرج مع الأمين العام للجامعة العربية وموفد رئاسة القمة العربية: فليسمعا الجواب من فم الأميركي مباشرة، وليقرّرا بعد ذلك إن كان مفيداً استمرارهما في مجادلة الأطراف اللبنانيين؟! ويبدو أن الموفدين كانا قد قرّرا فعلاً أن ينسحبا مؤقتاً ليعودا وقد تزوّدا بوسائل إيضاح أفعل ومن شأنها أن تقنع المعاندين بأن اللعبة قد انتهت ، ومن الأفضل أن يذهبوا إلى التفاهم بأنفسهم بدل أن يقادوا إلى جنته بالسلاسل!
قال عمرو موسى مودعاً: لن نيأس، وأعرف أن أقصر الطرق إلى الحل في لبنان هي التي تنطلق من القاهرة إلى الرياض ثم تعبر جسراً أتمنى أن يتم إنجازه بسرعة إلى دمشق، وبعدها نجد بيروت بكل القوى السياسية فيها مستعدة لأن تسمع منا، ولأن تساعدنا على استنقاذ حاضر اللبنانيين ومستقبلهم.
ثم استدرك فقال: لنفترض أننا نجحنا، الآن، في إيصال الجميع إلى هدنة، تحتاجها القيادات كما يحتاجها اللبنانيون أشد الاحتياج. لنقل إننا سنجتهد لإقامة الجسر المطلوب لكي يعبر عليه العيد في اتجاه بيروت.
ولم نرد بإظهار خوفنا على العيد كما على بيروت..
على أننا، برغم الخوف، لن نتردد في توصيف هذا الأميركي الجميل بالوقاحة…
أما الرأي في من سمعوه ففرحوا فمرجأ إلى ما بعد العيد!

Exit mobile version