طلال سلمان

تحية سنة سادسة ثلاثين

ما أطول ذلك اليوم الممتد منذ الثلاثاء الواقع فيه السادس والعشرون من آذار 1974 بصباحاته المتجددة 1254 «سفيراً»، عدا التعطيل والمنع والمصادرة، وعبر القذائف والصواريخ والعبوات الناسفة للبيوت والمكاتب والمطابع والأحلام والأفكار، كما عبر رصاص الاغتيال الذي قد يترك ندوباً في الوجه والعنق والصدر والعين الساهرة على سلامة التوجه… إذاً فالمهمة تستحق كل هذا العناء، فليكن الرد بالتقدم نحو الهدف الذي أكسبه الدم مزيداً من السمو.
ثم… ألسنا بعض أهل هذا الوطن الصغير الذي لا يكف عن التعاظم وعن احتلال اهتمام العالم أجمع: احترق بالحروب الأهلية فصمد حتى انطفأت نيرانها الجهنمية، المتعددة المصادر والأغراض، واجتاحه جيش العدو الإسرائيلي حتى بلغ عاصمته العصية، بيروت ـ الأميرة، التي «احترقت ولم ترفع الأعلام البيضاء»، واستطال احتلاله الجنوب وبعض البقاع الغربي لاثنين وعشرين عاماً، فما توقف عن المقاومة حتى أنجز النصر البهي في أيار 2000 بإجلاء المحتل وتطهير الأرض.
ما أقسى المهمة وما أنبلها: أن تكون الشاهد العدل على تصدي أهلك، بوعيهم وإيمانهم بوحدة الوطن للفتن ومحاولات إشعال الحرب الأهلية والاغتيالات المبرمجة التي كان في طليعة من استهدفتهم الأفكار والأقلام والآراء التي كانت محاوراتها واجتهاداتها تضيف إلى قيمة الوطن الصغير، الذي كان وما زال وسيبقى الشارع العربي والمنتدى الثقافي والفكري والمطبعة والكتاب وصحيفة الصباح، والأفق المفتوح والعاشق النموذجي للحرية والديموقراطية وحامل راية التقدم العربي.
… ولقد انتصر هذا الوطن الصغير، أكثر من مرة، على الفتن وحروب الطوائف والمذاهب، التي وجدت دائماً من ينفخ في نارها، حتى كادت تقسم كل مواطن إلى شقيقين متواجهين بالسلاح، وكادت تذهب بالدولة ومؤسساتها في غمار صراع «الدول» ومحاولاتها نزع هوية هذه الأرض العربية جميعاً بدءاً بفلسطين وانتهاءً بفلسطين.. ولبنان طليعة حملة راياتها كقضية مقدسة، لا يمكن اغتيالها ولا تفتيتها ولا يطاولها النسيان.
بل إنه وبرغم كل جراحه قد واجه الحرب الإسرائيلية في تموز 2006، والتي لم يوفر فيها العدو سلاحاً، فدمّر ونسف وقتل البيوت والأطفال والشيوخ وهجّر أكثر من مليون مواطن، لكنه فشل في تحقيق أهدافه وكان النصر المؤزّر للمجاهدين من أبناء هذا الشعب العربي الأبي..
إنها السنة السادسة والثلاثون… وما زلنا نشعر أننا في البدايات. وكمثل العدد الأول يشتعل الجيل الجديد ـ المجدّد حماسة ويقرّر أن يحظى بنصيبه في أن يقاتل الخطأ والظلم والإهمال، وفي أن يفضح التزوير والغش والتضليل، وكلها أسلحة للطائفية والمذهبية في السياسة، وأن ينضم إلى قافلة الأوائل الذين أرسوا دعائم هذه المطبوعة التي انتدبت نفسها لأن تكون «صوت الذين لا صوت لهم».
إنها السنة السادسة والثلاثون.. وما زالت «السفير» تطمح لأن تكون «جريدة لبنان في الوطن العربي ـ جريدة الوطن العربي في لبنان».
لقد حاولنا فنجحنا أحياناً، وأخطأنا أحياناً، ولكننا بقينا «على الطريق» نحو ما اخترناه مهمة لنا تنبع من شرف الانتماء إلى هذه المهنة التي تكتسب أهميتها من قدرتها على أن تكون الشاهد العدل وليس القاضي.
ولسوف نستمر في المحاولة معزَّزين بكل أولئك الذين منحونا القدرة على زيارتهم كل صباح.
وكل عام وأنتم بخير.

Exit mobile version