أمطري أنّى شئتِ.. اذهبي إلى صحراء بلا خرائط.. سافري انّى تيسّر لك، حتى إلى بلاد ملهّا اليباب.. ارحلي إلى حيث ما يحلو لك، فمكانك لا تختارينه انتِ، بل الأجيال التي ترّبت معك، وتطلعت اليك، واهتدت بك وحلمت معك على صهوة الكلمات.
لململي أوراقك.. ما هم، فقد أصبحت عصاراتها تجري في عروقنا. تنقلنا من جيل إلى جيل، ومن مقام إلى مقام، حتى إذا وصلت حدود الخيال انكفأت إلى الواقع تنقّب فيه، تعجم عيدانه، تفتح في جدرانه السميكة رشفة ضوء، تنضح بالزيت، وتلفح الوجوه الهاربة.
اليوم الذي كنا نخشاه داهمنا بعد ان طغت الثعالب على الحقول وتحجرت الطيور في وكناتها. منذ اليوم الاول الذي صدرت فيه “السفير” متوجةً بكلمات جمال عبد ناصر من جهة، وانين المتعبين من جهة أخرى وضعنا ايدينا على قلوبنا خوفاً عليها من كارهي الحرف وأعداء الحرية..
وعلى الدرب الطويل الذي سلكته، مرفوعة الهامة، كنا ندرك ان ثمة من يتربص بها شراً، وان ثمة من يتحين الفرص لنصب الاشواك من حولها.
كل يوم صدرت فيه “السفير” كان يوماً نتذكره لأنها يوماً لم تهن، ولم تتهاون، ولم تخلف الميعاد.
أوتذكرون الشرار أيام الحصار يوم رفعت “السفير” كلمتها في وجه عدو يدق الباب بقبضته الحديدية!؟ يومها اشتد ساعد الثوار وتجندلت دبابات شارون على ابواب المتحف.
أوتذكرون صلاة العيد مع المفتي الشهيد صيف عام 1983 يوم تأبط النظام شراً!؟ وكيف رفعت السفير النداء فتحول الملعب البلدي الى بركان يحرق 17 ايار وملحقاته.
هي اليوم تحتجب ولا تغيب. وكيف تغيب “السفير” وقد سكنت القلوب وعمّرت فيها بيوتاً مستقرة تعودت ان تستقبل الشمس كل صباح فتدب الحياة على الشرفات وفي الاحياء والحارات والشوارع والمدارس والجامعات. تلك البيوت التي مسّها الزيت صعب عليها اليوم ان تغير عاداتها، وصعب عليها اكثر ان ترحل إلى المستحيل.
تحية لـ”السفير” في عيدها.
وتحية لرائدها الاخ الصديق طلال سلمان ولأسرتها المنتشرة في لبنان والبلاد العربية.
كلمة القيت في الحفل التكريمي لجريدة “السفير” الذي اقامته جمعية التخصص والتوجيه العلمي في 2017/3/23