طلال سلمان

تحصين مبادرة ثوابت

كادت قمة بيروت، فلسطينية العنوان والمهمة، تذهب ضحية أخطاء إدارية فاحشة أضرت بها بأكثر مما أضر بها الحصار الأميركي الإسرائيلي المضروب حولها والذي كانت »اختراقاته« لداخلها واضحة، سواء في »الغياب« المباغت الذي شمل حتى »الملك الرئيس« للقمة السابقة والذي كانت أبسط الأصول والأعراف تقضي بأن يتولى بنفسه تسليم »الأمانة« لخلفه في هذا المنصب المعنوي القابل للتوظيف في أكثر من مجال.
ذلك أن مسلسل »أخطاء، أخطاء، أخطاء« على حد التوصيف الدقيق الذي استخدمه الأمير سعود الفيصل، خلق بلبلة واسعة ومهد لسيل من الشائعات وفرت »الذخيرة الحية« لمن يريد ان يصرع القمة بحضوره بعدما تعذر قتلها بالغياب وحده… خصوصا أن الأخطاء قد مست الموضوع الأساسي الذي تفترق عنده الطريق: فلسطين وموقعها قيادة وشعبا في هذه القمة.
أول ما استهلكته الأخطاء النص القوي لخطاب الرئيس إميل لحود الذي رفع سقف التوقعات الى ما لا تطاله مبادرة الأمير عبد الله بن عبد العزيز، خصوصا أنه ارتكز على المواقف المبدئية معززة بتجربة لبنان المقاوم، سواء في ما يتصل بانتفاضة شعب فلسطين في مواجهة جنون القتل الإسرائيلي، أو في ما يخص مسألة الإرهاب و»جماعاته« التي يراد لنا ان »ندفع ثمنها مرتين«، وهي »التي نشأ معظمها على يدي من يتهمنا الآن بها«…
وبمعزل عن الخسائر المعنوية التي مُني بها لبنان نتيجة هذه الأخطاء فإن استثمارها غداً سيزيد أزمة الحكم حدة، مما »يبشر« بهزات إضافية ستنعكس مزيدا من الضيق في الرزق وربما في مساحة الحرية المتاحة أمام ما تبقى من حياة سياسية.
ولقد توجب على »الشريك السوري« ان يقوم بجهد استثنائي لإنقاد القمة، مستعينا بالسجل الحافل لدور لبنان في دعم النضال الفلسطيني، قبل الانتفاضة وبعدها، ودور رئيسه بشكل خاص في رعاية المقاومة من أجل التحرير وهي التي كانت معينا ممتازا ومرشدا بالتجربة المكلفة للمجاهدين الفلسطينيين في تصديهم لجيشي الاحتلال الإسرائيلي: العسكر والمستعمرين المسلحين.
أما وقد هدأت العاصفة ليلاً وأمكن استعادة فلسطين الى قلب القمة، فقد عاد التركيز الى المبادرة التي بدأت »أفكاراً« و»رؤى« عند ولي العهد السعودي والذي رسم لها، أمس، سياقها لتكون »مبادرة« متكاملة تنطلق من »جامعة الدول العربية« الى مجلس الأمن، مرورا بمخاطبة مباشرة غير مسبوقة »للشعب الإسرائيلي« من على منبر القمة العربية من أجل »السلام كاتفاق حر بين طرفين متساويين«.
ومؤكد ان هذه »المبادرة« التي بات لها أخيرا نصها المتكامل ستخضع لشيء من التعديل بالحذف أو بالإضافة لتستدرك ما لم تشمله، بالتحديد، من مطالب لبنان وسوريا (حدود 4 حزيران 1967) والدولة الفلسطينية (المستقلة وذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية، بما لا يترك مجالاً للالتباس مع الحرم الشريف)، وثم حق العودة بشكل مفصل يرتكز على القرار 194، وينفي ولو ضمنا التوطين كخيار يترجم »التعويض«.
لقد قبلت دول عربية عدة هذه »المبادرة« من قبل ان تقرأ »نصها«، ورحب بها الاتحاد الاوروبي اذ عثر فيها على »مدخل شرعي« للعودة الى ساحة التسوية، ونوهت بها الولايات المتحدة مؤيدة سلفاً المضمون الذي لم يكن قد أُعلن رسمياً بصيغته المحددة، وعطف مجلس الامن الدولي قراره »الفلسطيني« الاخير (1397) عليها من قبل ان تصل كاملة الى اعضائه.
على ان ذلك كله لم يمنع الرئيس السوري بشار الاسد من التشديد على ضرورة »تحصين هذه المبادرة«، في حال تبنيها، »فعملية السلام غير السلام«، و»الارض مقابل السلام، لكن السلام وحده موضوع مفاوضة اما الارض فلا يفاوَض عليها«، و»المرجعية الوحيدة في اية عملية سلام هي مرجعية مدريد وقرارات مجلس الامن«… ليخلص من ثم الى الاشارة الى ان »أمامنا طريقاً واحداً في عالم فاقد الصواب هو: التمسك اكثر بالثوابت«.
يبقى التمني بأن يشهد ختام القمة، اليوم، إنجازاً بتوافق طال انتظاره على الموضوعين الاساسيين: دعم الشعب الفلسطيني لاستخلاص حقوقه في ارضه ودولته، فضلا عن التوكيد على استعادة المحتل بعدُ من الارض السورية واللبنانية، ثم تهدئة »الحالة العراقية الكويتية« التي تهدد استعادة الحد الادنى من التضامن العربي وتبقي الباب مفتوحاً أمام التهديد الاميركي بضرب العراق، او تفتح بازار المقايضة بين فلسطين والعراق بما يهدد القطرين معاً بل والأمة بمجموعها.
لعل اليوم يُصلح ما افسدته »الإدارة« امس، فيعوض التوافق العربي على العنوان الفلسطيني للقمة عبر الصياغة المتكاملة لمبادرة الامير عبد الله بحيث تصبح اساساً مقبولاً لتجديد »العملية السلمية«، ما ضاع عبر »الاخطاء« او ما اريد تضييعه بالغياب المفاجئ في اللحظة الاخيرة، او عبر التحريض لاستبقاء الحالة العراقية الكويتية قابلة للاشتعال او بالاحرى قابلة لأن تكون ذريعة لضربة اخرى تنزل بالعرب فتضيّع منهم مستقبلهم بعدما كاد يضيع حاضرهم، خلف اوهام »السلام الاسرائيلي« ورعاية الوسيط الاميركي »النزيه«، او خلف المغامرات البائسة التي يرفع الأخ فيها سلاحه بوجه أخيه.

Exit mobile version