طلال سلمان

تحذيرات مريب

كاد المريب أن يقول خذوني … وإلا فما معنى إلحاح الإدارة الأميركية، لمناسبة ومن دون مناسبة، على التحذير من اغتيالات سياسية سوف تتم في لبنان الذي يعاني من اضطراب سياسي على قمة السلطة مع انعكاساته المحتملة على شارعه بل على حياته العامة؟!
نفهم أن يلجأ إلى التحذير من هو في موقع الضعف والعجز عن منع ما يدبّر في الخفاء، أما أن يصدر هذا التحذير من أقوى قوة في الكون والتي تجوب أقمارها الاصطناعية وطائرات التجسس وشبكات مخابراتها المتعددة الأسماء والأشكال، صريحة وعلنية أو مموهة، يقظة أو نائمة ، الأرض والفضاء والبحار، وما بينها، فأمر يدفع إلى الشك في الغرض من هذا التحذير المتكرر بوتيرة توحي وكأن الجريمة أو الجرائم على وشك أن تنفذ ولا راد لقدرها المحتوم! فإذا كانت واشنطن عاصمة الإمبراطورية الكونية عاجزة عن منعها فمن تراه سوف يستطيع؟!
وعلى سبيل التندر، ليس إلا، فإن اللبنانيين قد استفاقوا صباحاً على تحذير جديد تطلقه وزيرة الخارجية الأميركية كوندليسا رايس بينما الطائرات الحربية الإسرائيلية تجوب سماء بيروت عابرة من الجنوب إلى البقاع والشمال، وعلى ارتفاع منخفض جداً بحيث توقع كثيرون أن تتجدد عمليات القصف الوحشي للأهداف المختارة بعناية من الأطفال والنساء والشيوخ والعجائز الذين يتلطون في البيوت الفقيرة…
ولعل بعض السذج قد افترضوا أن السيدة رايس تحذر اللبنانيين من اغتيالات سوف ينفذها سلاح الجو الإسرائيلي، وأنها لمعرفتها بأن الجيش اللبناني (ومعه المقاومة) لا يملكان صواريخ أرض جو لإحباط هذه الجرائم فقد اكتفت بالتحذير والتنبيه لعل المعنيين يحتمون في ملاجئ محصنة تكفل أمنهم، إن هم وجدوها..
أليس من حقنا، إذاً، الافتراض أن الإدارة الأميركية تعرف كل التفاصيل عن هذه الجرائم التي تحذر من وقوعها؟! هي تعلن أنها تملك من المعلومات ما يدفعها إلى تحذيرنا (ونحن في موقع الضحايا).. وهذا أمر طيب. ولكن لماذا لا تكمل هذه الإدارة العارفة جميلها فتبلغ الحكومة اللبنانية برئيسها ووزير داخليتها (أو دفاعها) وأجهزتها الأمنية بهذه المعلومات الخطيرة لكي تتولى إحباط خطط الاغتيال التي تكتفي بالتحذير منها ثم لا تعمل على منعها؟!
إن التحذير وحده لا ينفع إلا في توسيع دائرة الخوف والارتباك والشك بالآخرين، لا سيما في لحظة تسود فيها أجواء من التباعد وتعطل الحوار بين الأطراف السياسية الأساسية في البلاد..
ولعل هذا هو المطلوب بالضبط: أن يزيد الشك من الاحتقان وأن يدفع الخوف إلى مغامرات انتحارية فتكون فتنة، يقتتل فيها الخائفون والخائفون، وكل منهم يتهم الآخر بأنه كان يخطط لتصفية شريكه حليفه خصمه… وأخيه!
إن رجال المخابرات الأميركية ومن هم في موقع حلفائهم يملأون جنبات الأرض اللبنانية، بهويات أميركية أو أوروبية أو إسرائيلية، هذا فضلاً عن اللبنانيين منهم… وإذا كانت معلومات هؤلاء هي مصدر التحذير فإنها تكفي للإرشاد إلى المتهمين بالتخطيط والإعداد ومن ثم تنفيذ الاغتيالات. فلماذا إذاً لا تريحنا السيدة رايس وترتاح بكشف هؤلاء جميعاً، أو بالمساعدة على اعتقالهم وإحباط مخططاتهم الشريرة؟!
سؤال ساذج، لكن جوابه يظل كما في التقديم: كاد المريب أن يقول خذوني … وإذا لم يكن هذا المريب أميركياً فإن الأميركي هو بالتأكيد شريك لهذا المريب الذي لا يتصدى أحد لاعتقاله ومنعه من ارتكاب جريمته أو جرائمه التي تكتفي السيدة رايس بتحذيرنا من وقوعها، ثم تذهب إلى النوم هانئة وتتركنا فريسة للقلق على المصير.

Exit mobile version