طلال سلمان

تجديد لدم سلطان ديموقراطيا

للبحرين الريادة ثم جاء التعديل الوزاري في السعودية فإذا هو خبر الأخبار ومصدر الوحي للمعلّقين والموضوع المشتهى للمحللين والمراقبين والخبراء المتخصصين في هذا البلد أو ذاك من دنيا العروبة.
كل عقد وربما كل عقدين »تُكتشف« حكومة، هنا أو هناك، وينشط خبراء الآثار لتحديد »عمرها« والسر في صمودها لعاديات الزمان!
وتتهاطل الأسئلة والاستنتاجات: ترى هل »براءتها« من السياسة هي مصدر عافيتها؟!
ذلك أن »الحكومة« في »الدولة العربية« مؤسسة غير سياسية.
السياسة احتكار للسلطان، لا شريك له فيه وإن تعدّد المعاونون والموفدون وأصحاب الحظوة الذين يشرَّفون فيمنحون رتبة »المستشارين«.
الحكومة في أحسن حالاتها مجلس بلدي موسع ومتعدد الاختصاصات، وهي مكلفة بتخفيف الأعباء اليومية عن كاهل السلطان لكي يتفرّغ للقرار.
إنها أشبه بمصدات الريح، مهمتها أن تأخذ بصدرها ما قد يوجه إلى السلطان من نقد أو يؤخذ عليه من قصور.
المديح والدعاء والتبريك والتعظيم والتأليه للسلطان، أما القدح والذم والاتهامات بالفساد وبالهدر وبالإسراف وبإهمال مصالح الشعب والاساءة إلى المصالح العليا للبلاد، فمن اختصاص »الحكومة« بل هي من مبررات وجودها.
»التغيير« أو »التعديل« أشبه بتبديل دم للسلطان. إنه يرمي من استنفد غرضه من وجوده، ويأتي بوجوه جديدة يمتص بها بعض النقمة التي تُحصر أسبابها والمسؤولية عنها في هذه الحال بالمخلوعين والمُخرجين من الحكم وعلى صدرهم نياشين الجدارة توكيدù لالتزامهم بموجبات الولاء للعرش الباقي والدائم.
في »التعديل« الذي أجراه الملك فهد على حكومته (وهو للمناسبة رئيسها) ركّزت وكالات الأنباء كما التحليلات السياسية وتعليقات الصحافيين على الدلالات الخاصة لإخراج وزيري المال والنفط واستبدالهما بكفاءتين شابتين.
النفط والمال… لكنما الملك هو النفط والمال!
هل يستطيع وزير أن يتصرف بالنفط أو بالمال، ولو جزئيù، خارج إرادة الملك (والعائلة) أو متجاوزù قراره السامي؟!
هل كان الوزيران الخارجان من المعارضين، مثلاً، أو أصحاب وجهة نظر مختلفة، أو لهما أو لأي منهما سياسة خاصة في هذا المجال؟!
أكثر من ذلك: هل القرار في ما يتصل بالنفط داخلي، تقرره المملكة، بمختلف هيئاتها التي يتشكل منها الحكم؟!
النفط في دول الجزيرة والخليج هو مصدر السياسة وموجهها،
المال بعض النفط، لكن النفط هو كل السياسة. وأصحاب القرار في الشأن النفطي، على المستوى الدولي، هم فعليù مَن يقرّر السياسة ليس في السعودية وحدها بل في كل الأقطار النفطية، كما في كل تلك »الدول« التي تعيش (أو تموت) نتيجة للزيادة أو النقص في حصتها من المساعدات التي يفرض »صاحب القرار« على الدول النفطية أن تعطيها.
والنفط ليس ديموقراطيù. لا لقاء، عبر التاريخ، بين الثروة والديموقراطية، خصوصù متى هبطت الثروة على مجتمع يتلمس طريقه إلى التحضر والتقدم والعصر، وسط صحراء من التخلّف والقهر الاستعماري.
النفط، كثروة، سلطة مطلقة، لا يمكن أن يمارسها المتحكّم فيه ديموقراطيù. فمن يتحكّم بالنفط، منابعه وتقنيات استخراجه وأسواقه وطرق مواصلاته، ينفرد إلى حد كبير بحكم العالم كله… ولم يحدث في التاريخ ان كانت »القوة القاهرة« التي تتحكّم بالعالم، أممù وشعوبù ودولاً، ديموقراطية، يتم انتخابها بالاستفتاء الشعبي، أو تطرح سياساتها للتصويت!
وفي ما أوردته وكالات الأنباء عن »التعديل« الواسع في الحكومة السعودية والذي شمل خمسة عشر وزيرù من أصل ثمانية وعشرين، أي تقريبù كل الوزراء »التقنيين« والذين ليسوا من الأسرة الحاكمة الذين يصعب تعديل مواقعهم أو تراتبيتهم، ان الوزراء الجدد من خريجي الجامعات الممتازة في الغرب (الأميركي أساسù)، وأنهم شبان إجمالاً (تحت الخمسين سنة)،
وكل هذه المعلومات مشجعة، لكن السؤال الذي يظل يلح على القارئ هو: إلى متى تبقى الحكومات في الدول العربية مجرد حلى تزيينية للسلطان، لا علاقة لها بالشعب ولا علاقة لها أيضù بالقرار؟!
إلى متى يظل السلطان العربي يحتكر السياسة، ويعتبرها من حقوقه الإلهية التي لا يجوز أن يكون له فيها شريك، والتي لا يجوز أن يكون عليه فيها رقيب ناهيك بالحسيب؟!
السلطان فوق الحساب، و»الحكومة« تحت الحساب والشعب هو وحده موضع المساءلة والحساب: إنها لقسمة ضيزى!
ولأن الحكم بمقعد واحد، عربيù، ستظل أقدار العرب مرتبطة بمجموعة من الأفراد، لا يتجاوزون عدد أصابع اليدين… أي أن واحدهم بعشرين مليون من الرعية أو يزيد، فإذا احتربوا اقتتل المائتا مليون، وإذا ما تهادنوا فُرض الصمت على المائتي مليون حتى لا يهتز »التضامن العربي«!!
فكيف الحال الآن وقد بات السلام مع إسرائيل أحد شروط »التضامن العربي«، بالمعنى الرسمي، وبعض ضماناته؟!
… وأحد شروط النسخة الجديدة من »الديموقراطية العربية« المستولدة حديثù من رحم النظام العالمي الجديد؟!

Exit mobile version