طلال سلمان

بين <الجمهورية بلا راس> موتمر بلا فلسطين

يصعب الهرب من عقد مقارنة، قد تتبدى كاريكاتورية، بين صورة الجمهورية بلا رأس في لبنان، وصورة المؤتمر الدولي الذي سيعقد غداً برعاية الإدارة الأميركية في مدينة أنابوليس، والذي ستكون له وفيه رؤوس كثيرة، بحيث يمكن افتقاد القدرة على القرار…
ففي لبنان أوصل عجز الطبقة السياسية عن التوافق على صيغة الحكم إلى استدراج تدخل دولي متعدد الرؤوس مختلف المصالح انتهى بفشل مدوٍ يتمثل في التسليم بفراغ مفزع في قمة السلطة تمت معالجته بتنظيم الفراغ، حتى لا تكون فوضى قد تأخذ هذا الشعب الممزقة وحدته إلى الحرب الأهلية.
أما في أنابوليس فإن الإدارة الأميركية التي تمضي شهورها الأخيرة في البيت الأبيض وقد فقدت معظم رصيدها في الداخل وفي الخارج، قد استنفرت صداقاتها العربية، أساساً، ومعها الدول الإسلامية، والاتحاد الأوروبي، لمساعدتها على تنظيم الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين!
الشعار المرفوع للمؤتمر فضفاض وهو السعي إلى تقسيم أرض فلسطين التاريخية بين دولتين إحداهما قائمة فعلاً وهي أحدى أقوى الدول في العالم، إسرائيل، والثانية سلطة منشطرة على ذاتها تعيش في ظل الاحتلال وبأمره، على بعض بعض أرضها الأصلية، تحميها شرطة يمكن للإسرائيليين أن يعتقلوا (أو يقتلوا) أفرادها جميعاً في أي وقت، لا تملك قرارها، وليس في يدها من أسباب السلطة إلا شكليات لا تؤثر في القرار، أي قرار لا من بعيد ولا من قريب…
الهدف الفعلي للمؤتمر هو تنظيم الاحتلال ، بما يعزز قدرات الحكومة الإسرائيلية المتهالكة، والتي ترجّها الصراعات الداخلية التي فاقمتها نتائج حربها على لبنان في تموز من العام الماضي، بالإفادة من تهالك السلطة على الصورة في المؤتمر الدولي إذ تفترض أنها تفيدها كثيراً في حسم الصراع الداخلي، فتظهرها وكأنها تحظى بدعم العالم أجمع في مواجهة الأصوليين المتطرفين في غزة ومن يشد من أزرهم ويمدهم بأسباب الحياة.
وإذا كانت حالة الجمهورية بلا رأس في لبنان مؤقتة، والخوف من الفوضى المسلحة يلجم العمل لإسقاط الحكومة غير الدستورية، غير الشرعية، غير الميثاقية ، كما تقول المعارضة، ويلزم الجميع بتحاشي الصدام حول سلطة لا تملك قرارها في دولة مهددة في وجودها…
.. فإن الخوف من تنظيم الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين يبدو أشد خطراً بما لا يقاس، لأنه يهدد الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني في أرضه، وبالتالي حقه في إقامة دولة قابلة للحياة، في بعضها… ولن يفيدها كثيراً الإلحاح على ما نصت عليه المبادرة العربية للسلام التي تتمنع إسرائيل عن قبولها لثقتها بأن العرب سوف يتراجعون عنها، والتي تجبّها خريطة الطريق ، فإن بقي منها شيء ذهبت به تصورات الرئيس جورج بوش لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني .
ولنستعرض حال العرب في المؤتمر:
من لبنان توفد حكومة الفراغ فيه وزيراً منها خلسة ، ووسط انقسام حاد، بين عناوينه مخاطر توطين الفلسطينيين في لبنان، وسط مخاوف متجددة من أن ينتهي المؤتمر إلى قرار (لا فرق بين أن يكون ضمنياً أو معلناً) بشطب حق العودة، ولا سيما أن القوى المؤثرة إضافة إلى الإدارة الأميركية لا تجعل هذا الحق شرطاً لانعقاد المؤتمر.
ثم ان الحكومة التي أوفدت وزيرها خلسة هي طرف في الصراع الداخلي، تطعن في شرعيتها قوى أساسية في لبنان، باتت تمثل الأكثرية المطلقة بعد الفراغ في قمة السلطة، بحيث باتت الجمهورية بلا رأس، مما يغيّب طرفاً أساسياً ثانياً ومكوناً للنظام السياسي وملزماً في اتخاذ أي قرار، فكيف والقرار المطلوب أو المفترض مصيري ؟!
أما العراق المغيّب بالاحتلال الأميركي فلن يكون له صوت في مؤتمر ينظمه الرئيس الذي أخذه من طاغيته المحلي بالحرب فأكمل تدميره وتركه في مهب رياح الفتنة والتقسيم، أضعف من أن يقرر لنفسه فكيف يقرر لغيره، وفي مؤتمر يرئسه بطل تدميره منذ نيسان 2003 وحتى… إشعار آخر؟!
وأما مصر فهي في أضعف حالاتها إطلاقاً، ونظامها مشغول ومضيّع بين معركة التوريث، ومحاولات الإذلال الأميركية والإسرائيلية التي تكاد تكون يومية، فضلاً عن صداماته المتوالية مع معارضيه بقصد تشتيتهم وإشغالهم في جدل ظاهره فقهي وباطنه سياسي حول حدود العمل السياسي ومعنى الديموقراطية وحدود تأثير الشعار الديني على العمل السياسي.
وأما السعودية فهي صاحبة مبادرة السلام العربية، وهي مضطرة لأن تغطي المؤتمر بالكوفية والعقال، حتى لو تجنب مندوبها مصافحة رئيس الحكومة الإسرائيلية، مفترضة أن الوجود العربي قد يحسّن من موقع المفاوض الفلسطيني ويقرّبه من الحد الأدنى من الأدنى من حقوقه، بالإفادة من ضعف الإدارة الأميركية وضعف الحكومة الإسرائيلية…
.. ولكن أين موقع الضعف بل التهافت العربي؟!
تبقى سوريا. وسوريا تستطيع الادعاء أنها كانت مستبعدة ففرضت حضورها، وفرضت إدراج موضوع جولانها المحتل برغم المعارضة الأميركية الإسرائيلية التي كانت معلنة فسُحبت في اللحظة الأخيرة… وكان سائر العرب بين المطالبين بسحبها حتى لا تترك سوريا في الخارج لأنها قادرة على التخريب في أكثر من موقع!
هل من الضروري استعادة صورة الإدارة الأميركية في غمار مشكلاتها الداخلية، مع الكونغرس ومع الرأي العام الأميركي، ليس فقط بسبب النتائج الكارثية لاحتلالها العراق فحسب، بل لأسباب داخلية، اقتصادية أساساً، قبل الالتفات إلى علاقاتها المتوترة مع العديد من الدول الصديقة ، وليس فقط مع روسيا والصين…
هل هي نهاية لحقبة من الصراع العربي الإسرائيلي، أو حتى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، أم هي بداية لطور جديد في هذا الصراع تتزامن مع حالة اهتراء عربية عامة يجسدها العجز عن المقاومة والضغط من أجل قرع جرس الانصراف للمناضلين من أجل تحرير أوطانهم، أو من أجل إصلاح الأنظمة الفاسدة المفسدة التي كلما ظهر عجزها تعاظم دعم الخارج لها لمنعها من السقوط؟!
يبدو أن الجمهوريات والملكيات العربية ليست أحسن حالاً من حال لبنان، في وضعه الراهن: جمهورية بلا رأس… في حمى الفراغ المنظم!

Exit mobile version