طلال سلمان

بين مجلس وزراء قمة عربية اجتماع متعذر انجاز مستحيل

ليس أكثر من وجوه الشبه بين الصعوبة في عقد القمة العربية والصعوبة في عقد اجتماع لقمة السلطة في لبنان ممثلة بمجلس الوزراء.
لا النص »الميثاقي« الذي التزم به القادة العرب وكلفت الجامعة العربية بمتابعة تنفيذه، جعل القمة الدورية دورية سنوية فعلاً، يلتزم »أهلها« بموعدها المقر بالاجماع (!!)، ويلزمون أنفسهم بجدول أعمالها، ثم بتنفيذ ما يتفقون عليه منه، سواء ما يتصل بالعلاقات في ما بين »الأخوة العرب«، أو ما يتصل بعلاقات »الأخوة الأعداء« مع العالم الخارجي الذي صار للأسف واحداً موحداً تحت الراية الأميركية الإسرائيلية في مواجهة صفوفهم المبعثرة أيدي سبأ.
.. ولا النص الدستوري، المعزز بالعرف والتقليد »التاريخي«، أفاد أو هو سيفيد في جعل الجلسة الأسبوعية لمجلس الوزراء تنعقد بالفعل في موعدها المقرر، لتبت في مشاريع القرارات المدرجة على جدول أعمالها، والتي تتصل بشؤون المواطنين، كالتعليم والصحة والبطالة والهجرة وكساد المواسم الزراعية والتلوث الخطير الذي يدمر بيئة »وطن الجمال« ومناخه،.. قبل الوصول إلى الدين العام الذي يتعاظم وتتوالد فوائده على مدار الساعة بما يذهب بالاطمئنان إلى الغد، بل وبالغد نفسه.
صار انعقاد مجلس الوزراء معضلة، كانعقاد القمة العربية، تحتاج إلى وساطات وشفاعات، وتهديدات وتنازلات، واتفاقات جانبية تمنع الانفجارات وتهاوي ما تبقى من »السلطة المركزية« بل ومن صورة »الدولة« ومؤسساتها المصابة بشلل منهك يتضاءل الأمل بشفائها منه، يوماً بعد يوم!
وبعد جلسة »الصلاحيات الطائفية لرموز الحكم الدستوري«، التي كادت قبل أيام تفجر مجلس الوزراء وتنثر شظاياها الملتهبة في الشارع، بات المواطنون يضعون أيديهم على قلوبهم كلما ثبت لديهم ان »الجلسة« ستنعقد ولو بالأمر!، خوفاً من ان ينتقل الصدام من داخلها إلى »ممثلي الطوائف« المتربصين في الخارج، والقادرين على توظيف الانقسام في مجالات مربحة شتى: أولها الانتخابات الرئاسية، وآخرها التملص مما تبقى من اتفاق الطائف، والتخلص من »عبء العلاقات المميزة ووحدة المسار والمصير« مع سوريا للدخول في المشروع الأميركي لمحاسبة سوريا ومعاقبتها اقتصادياً وسياسياً تحت عنوان استعادة لبنان سيادته واستقلاله الكامل الناجز.
وكما باتت القمة العربية مصدراً للفزع على ما تبقى من أواصر بين »العرب«، كذلك بات مجلس الوزراء مصدراً لقلق اللبنانيين ليس فقط على وحدة السلطة وقدرتها على الانجاز، في أي مجال بل أساساً على وحدتهم الوطنية وبالاستطراد على وحدة »دولتهم« التي تكاد تغدو مصدراً للتنكيت والتبكيت والاشفاق وعنواناً للعجز عن الإنجاز وهو عجز مرشح للتفاقم في اتجاه الافلاس… بأنواعه جميعاً!
وتماماً كما أمر »جنرال تونس« بفض القمة بوصفها »تظاهرة« متناسياً كونها »مرخصة« وكون المشاركين فيها من الملوك والرؤساء والسلاطين والأمراء كذلك فإن المتخوفين من انفجار مجلس الوزراء برموز الائتلاف بل الاتحاد الوطني المشاركين فيه (حسب اتفاق الطائف) باتوا يفضلون التفريق بين »الرأسين« وبين »سائر الاتحاديين« المشاركين في »المجلس الملعون« حيث تحتشد التفاصيل المسكونة بالشياطين!
وكما في القمة كذلك في مجلس الوزراء: لا مجال للانعقاد إلا إذا تم الاتفاق على »الصفقة« مسبقاً… أما مطلب الاصلاح فيفرط القمة والجلسة إذا كان مصدره »وطنياً«، أما إذا كان »خارجياً« فمسألة فيها نظر!
* * *
ملحوظة: لم تكن كلمة »الاصلاح« يوماً حمالة أوجه، بل حمالة شبهات كما هي اليوم.
ذلك أن »الاصلاح« بما هو مطلب أميركي ملح يراد فرضه على الأنظمة المتهالكة والخائفة على وجودها من عصيان الأمر الأميركي، ترى في »الاصلاح« خطراً يتهددها بالسقوط، وترى في ممانعتها خطراً أشد، لا سيما وانها طالما رفضت تلبية مطالب »رعاياها« باصلاح أقل كلفة (على الارجح) وأكثر كرامة، خصوصاً انه يمدها بالدماء النظيفة مما يخفف عنها ضغط تصلب الشرايين، فيرمم أهليتها ويمنحها فرصة جديدة لتتقوى »بأهلها« مكتسبة مناعة في وجه الأجنبي.
ان الشعوب قد أخرجت من زمان من دائرة الصراع بين أنظمة الطغيان والعجز والتخلف وبين الهيمنة الأميركية التي تأكدت الآن باحتلال العراق، وبزرع قواعد المخابرات المركزية الأميركية (فضلاً عن الاساطيل) في معظم البلاد العربية…
فتلك الأنظمة ألغت الشعوب عن حسابها، وانهكتها بقمعها حتى شطبت قدرتها على التأثير (منعت الأحزاب، ألغت النقابات، احتكرت أجهزة الاعلام) تحكمت بالثروة الوطنية، بحيث باتت قادرة على تجويع المعترضين، فضلاً عن قدرتها على منعهم من الاجتماع ومحاكمتهم ورميهم في السجون بأي تهم تريدها ولأي مدد تشاء…
منذ عقود وهذه الأنظمة تعتبر كل من يطالب بالاصلاح »خصماً بل عدواً مبيناً« وبأنه »خطر على النظام« بل انه كافر وزنديق، فضلاً عن سهولة رميه بتهمة العمالة للأجنبي (؟!) والتآمر على سلامة الوطن…
وفي نموذج نظام الطاغية صدام حسين فإن الاجتياح الأميركي حين وقع لم يجد من يقاومه حقيقة: لا النظام دافع عن الوطن بأهله، ولا النظام وجد من يدافع عنه، ولا أهل الوطن وجدوا من يحميهم أو يقودهم لمقاومة الاحتلال الأميركي… بل صار بوسع الاحتلال أن يتقدم حاملاً راية الإصلاح والديموقراطية بالدبابة.
إن نظام الطغيان يستعصي على الإصلاح، تماماً كما أنه لا يمكن أن يقاوم الخطر الخارجي، والمهمتان متلازمتان، فالنظام القائم بثقة شعبه لا تمكن هزيمته ولو اجتمعت عليه أعتى قوى الأرض. إن شعبه يعصمه ويحمي الوطن، أما من يشعر بأن النظام قد أفقده وطنه ومواطنيته فلن يتبقى له ما يدافع عنه، فضلاً عن أنه سيكون مكسوراً بالعجز وبالإذلال بحيث لا يشعر بالفارق بين طاغية داخلي وبين طاغية أجنبي… إلى أن يستعيد وعيه بأرضه وبذاته فيقوم إلى مقاومة الاحتلال.
* * *
وكما في مجلس وزراء لبنان كذلك في القمة العربية:
هنا لا شيء يمكن أن يبرر تجاوز الخلافات الرئاسية: لا وحدة الموقف السياسي بأفقه الوطني المفترض، ولا خطر انهيار الدولة بمؤسساتها، ولا خطر السقوط الاقتصادي الشامل. لا هجرة الكفاءات والبطالة الضاربة أطنابها في صفوف الشباب، ولا تفاقم خطر انتشار المخدرات في أوساط أجيالنا الجديدة، لا تلوث الحكم والحاكمين بالصفقات المشبوهة التي تمتد من الكهرباء إلى الخلوي، ومن الكسارات الأقوى من الدولة إلى الطائرات التي تسقط بركابها، فإلى المصارف التي »تطير« ودائعها في كل اتجاه إلا أصحابها…
تتهاوى سمعة الرئاسات ولا من يتدارك أمرها، ويفقد مجلس النواب المحمول بالمحادل والبوسطات دوره التشريعي الرقابي ولا من يسأل أو يسائل، وتنحل الحكومة عملياً ومع ذلك يستمر الوزراء يوقعون على »المخالفات«، ويتعذر على لبنان الالتحاق بالشراكة الأوروبية ولا من يسائل عن الأسباب، تختنق المصانع على قلتها بأزمات التصريف والتشغيل والضرائب ولا من يدقق، تتفاقم الضرائب والرسوم ملتهمة حصصاً مؤثرة من الرواتب ولا من يجير…
كذلك الأمر مع القمة العربية:
لا احتلال العراق يبرر الدعوة إلى تقديم موعدها، مثلاً، ولا هو يدفع الجميع إلى المشاركة فيها في موعدها »الطبيعي« المقرر، ولا هو يجبر »مضيفها« على قبولها… إلا بشروطه التي يبدو أنها »مغايرة« لما كان تبلغه غيره من قبل…
لا ذوبان فلسطين، قضية وأرضاً وشعباً، أمام عيون العالم، يبرر استعجال انعقادها، طارئة أو عادية، ولا هو يجعل المشاركين فيها »يلبون النداء خفافا«…
لا استشهاد شيخ فلسطين القائد المجاهد أحمد ياسين،
ولا تهديد »رئيس السلطة الوطنية« ياسر عرفات بالقتل (علماً أنه في الأسر منذ ثلاث سنوات أو يزيد، محجور عليه في مبنى شبه مهدم، يعيش ظروفاً غير إنسانية لا تليق بأي كائن حي فكيف برئيس دولة…).
ولا توقف وكالة غوث اللاجئين عن تقديم المساعدات المحدودة لأكثر من نصف مليون لاجئ فلسطيني، في غزة، بسبب العراقيل التي تزيد منها سلطات الاحتلال الإسرائيلي كل يوم.
ولا جدار الفصل العنصري الذي يقيمه أرييل شارون كمقدمة لتصفية الأرض وطرد أهلها…
ولا تهديد شارون بطرد عشرات ألوف الفلسطينيين من بلادهم (داخل فلسطين 1948)،
لا شيء من هذا كله يبرر عقد القمة ولو متأخرة عن واجبها، فضلاً عن موعدها…
ولن يضيف الى مبررات التعجيل تفاقم خطر التقسيم في العراق، وظهور نذر بحرب أهلية، ولا تزايد المذابح النقالة، ولا الانشطار على أساس عرقي الذي يندفع إليه بعض الأقليات بتحريض أميركي مكشوف، ولا إقدام الحاكم الأميركي على تعيين رموز »السيادة« التي سيأمر بنقلها الى العراقيين بعد ثلاثة شهور، وآخر من عين وزير الدفاع وقادة أجهزة المخابرات (الذين ثبت ولاؤهم للاحتلال)…
أما ثروة العراق، في الحاضر والمستقبل، فمنهوبة يوزعها الحاكم بأمره على ضباط الاحتلال وشركات أركان الإدارة الأميركية والتابعين لها من مختلف جنسيات الدول التي لبت النداء وقبلت المشاركة في »تحرير« أرض الرافدين من… خيراتها.
* * *
لا قمة قبل مجلس الوزراء،
لا مجلس وزراء قبل القمة،
لا إصلاح قبل الاحتلال،
لا إصلاح في ظل الاحتلال،
لا قمة بطلب من الاحتلال،
لا قمة لمواجهة الاحتلال
لننتظر الاتفاق على القمة، إذ ربما تضمن بيانها الختامي العتيد ما يضمن انتظام انعقاد مجلس الوزراء في لبنان.
وقرارات القمة، كما تعلمون، ملزمة.

Exit mobile version