طلال سلمان

بين قمة عربية انتخابات لبنانية

ليس أكثر من وجوه الشبه بين الانتخابات النيابية المقررة في لبنان، بعد شهرين، وبين القمة العربية الحادية والعشرين التي تفتتح أعمالها هذا الصباح في الدوحة… وتختتمها هذا المساء، أو صباح الغد، في أبعد تقدير!
فالانتخابات في لبنان سوف تجري على قاعدة قانون الستين، الذي يجعل الشعب الواحد شعوباً ان هي لم تكن في حالة اقتتال فعلي الآن فلسوف تذهب إليها غداً، نتيجة الالتزام بقانون الفتنة!
والقمة العربية التي اكتمل نصابها وغاب عنها التوازن المطلوب للانجاز بغياب الرئيس المصري وقادة آخرين، سوف «تعالج الخلافات بين الأخوة» من دون ان تتمكن من حسمها، وبالتالي فان أعظم نجاح لها ان تتمكن من تجميد الوضع عند «حافة الحرب» تاركة للزمن ان ييسر أمر الحل بعون الله تعالى وبركات «الدول» التي ترعى شؤون هذه المنطقة ولأسباب تتصل بمصالحها، وأولها وأخطرها إسرائيل وليس أي طرف عربي.
ثم ان الانتخابات النيابية ستثبت الانقسام وتشرعنه ولن تلغيه، وان هي أرجأت انفجاره.
وبالمقابل فان القمة العربية سوف تتخذ من الانقسام العربي قاعدة للعمل تحكم مقرراتها، فتشطب من جدول الأعمال كل البنود المختلف عليها، وتدوِّر زوايا النصوص بحيث يقرأها كل طرف بما يتناسب مع مصالحه وارتباطاته، وهكذا تنتج بياناً فخم الإنشاء، لكنه لا يعني شيئاً إلا إرجاء الانفجار إلى موعد آخر بين القمتين قد يستدعي عقد قمة طارئة تحاول حصر انتشار النار، في انتظار القمة التالية.. العادية!
يعرف اللبنانيون، سلفاً، ان الانتخابات النيابية المقررة في السابع من حزيران المقبل لن تكون اعلاناً بانتصار الديموقراطية، ولا هي ستكون الفجر الموعود لولادة جديدة للوحدة الوطنية… لكنهم سيذهبون إليها بالاضطرار وليس بالرغبة، وحرصاً على استنقاذ النظام وليس على تجديده، وبأمل ان تؤدي «المصالحة العربية» الموعودة إلى فتح الأبواب أمام إعادة بناء التوافق الداخلي برعاية الاطراف ذاتها التي تسببت في تغييبه بل وفي دفع الوطن الصغير نحو هاوية الفتنة التي لا تذر..
ويعرف العرب، سلفاً، ان القمة العربية الحادية والعشرين سترتطم بغياب الرئيس المصري، وهو من اتخذ لنفسه صفة الطرف المقرر في شأن «المصالحة الفلسطينية»، التي تعني في هذه اللحظة، وبعد الحرب الإسرائيلية على شعب فلسطين في غزة، بكل فظائع القتل الجماعي والتدمير المنهجي لمقومات الحياة في ذلك القطاع المحاصر براً وبحراً وجواً، ان تعود «حماس» مرغمة غير مختارة، إلى بيت طاعة «السلطة» تحت قيادة محمود عباس وإلا…
… وإلا فلا إعمار ولا فك حصار بل عيش في قلب الذل والافقار المتعمد والمتفاقم، لا بد من ان يقود إلى تفجر الفتن التي ستتجاوز بالتأكيد أهل غزة إلى أهلهم في الضفة الغربية فإلى أهلهم في الأردن وفي لبنان وفي ديار الشتات… أي إلى «انجاز» ما عجزت إسرائيل، حتى هذه اللحظة، عن انجازه، برغم الحروب الإسرائيلية غير المسبوقة في العالم، ضد شعب يكاد يكون أعزل إلا من ارادته التي بها يحمي هويته.
إن غياب الرئيس المصري سيرجئ، إن هو لم يطمس تماماً، الموضوع الفلسطيني، متسبباً في «إبقاء الوضع على حاله»!
وكم كانت معبرة تلك «التوبة» التي أعلنتها قطر عن خطيئة مثل دعوة حماس، «فضلاً عن الرئيس الإيراني» إلى «قمة غزة» البتراء!
وان تبقى حماس خارجاً، يعني ان يبقى الخلاف الفلسطيني ـ الفلسطيني خارجاً… وهذا يعني ان تستمر «السلطة» قيادة سياسية رسمية معتمدة من دول العالم ثم من معظم دول العرب لفلسطين ما عدا شعبها، في انتظار تفجر حرب أهلية فلسطينية تبيد الكل!
… في حين ان هذه «السلطة» تعجز عن حماية مقرها في رام الله، ليس بالمعنى الأمني فحسب، فهذا معروف ومفهوم الاسباب، بل بالمعنى الجغرافي، فبين مشروعات توسيع المستعمرات الإسرائيلية ما يتصل بالفصل المطلق بين رام الله، العاصمة الموقتة، والقدس العربية (التي يجري تذويبها يومياً حتى تكاد تختفي داخل مشروع توسيع القدس الإسرائيلية).
[ [ [
المصالحة الناقصة إرجاء للمرحلة التالية من الحرب الأهلية، في انتظار استكمال «عدة النصر» على الأخوة ـ الأعداء.
وبحكم التجربة، نعرف في لبنان ان بعض القوى السياسية ترى في الانتخابات على قاعدة قانون الستين، فرصة لاستئناف «الحرب» التي جمدتها الوساطات العربية المعززة دولياً في «اتفاق الدوحة»… وبالتالي يمكن ان يكون السابع من حزيران هو الرد «بالديموقراطية» على عملية السابع من أيار… ولا يهم ان يكون الرد منتمياً إلى فتنة /1860/ وليس إلى قانون /1960/!
كذلك فإننا في لبنان نعرف، بحكم التجارب المريرة التي عشناها، ان تفجر الخلافات الفلسطينية سيكون فاجعة عربية جديدة، ليس فقط نتيجة الدم الذي سيراق فيها عبثاً، بل بوصفه مؤشراً صادقاً على الانهيار العربي العام، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وعسكرياً… والأهم: تفكك الدول والمجتمعات وعودتها إلى حال التبعثر وانعدام القيمة أيام دهر الانحطاط وافتقاد الهوية والدور.
ومع ان الأمل في ان تستطيع قمة الدوحة إرساء المصالحات العربية على قاعدة ثابتة للعمل العربي يظل محدوداً ما دامت محكومة بالتوازنات اللاغية للانجاز، فإننا لا نطلب منها أكثر من «هدنة» طويلة، ريثما تقرر لنا «الدول» بالقيادة الأميركية الجديدة ما ستكون عليه الحال في غدنا!
وكذلك فان أقصى ما نتمناه من الانتخابات النيابية على قاعدة قانون الستين، بعد شهرين، ألا تفجر الوضع في لبنان، قبل ان تستقر حال «الهدنة» العربية ويتم تثبيت أسسها بتوافقات جديدة مانعة للحرب الأهلية، ولو كان الثمن الديموقراطية وقيادة الدولة ووحدة الشعب في هذا الوطن الصغير!

Exit mobile version