طلال سلمان

بين قمة بتراء غيبوبة منتصرة

من سخرية القدر أن يتزامن حدثان أحدهما عربي (قمة الخرطوم) والآخر إسرائيلي (الانتخابات) ولكنهما يؤكدان على اختلاف الموقع حقيقة واحدة هي: أن الصراع العربي الإسرائيلي (وبالتالي قضية فلسطين) لم يعد مركز الاهتمام لا عند العرب (الذين قياداتهم أهم من دولهم) ولا عند الإسرائيليين الذين أغنتهم »دولتهم« بتفوّقها الهائل عن الحاجة إلى »زعماء تاريخيين«!
فأما العرب، فإن قممهم باتت مناسبة سنوية لكشف حجم تراجعاتهم ومدى ابتعادهم عن أهدافهم المعلنة (على تواضعها) وتفاقم خلافاتهم التي بدأت تلامس مقوّمات وجود »دولهم« والعلاقات الطبيعية بين شعوبهم.
وأما الإسرائيليون الذين لم تذهب كثرتهم للإدلاء بأصواتهم، فهم مطمئنون إلى أسباب قوتهم (التي تزيد على أضعاف أضعاف ما لدول العرب من قوى) بحيث يمكن أن يعيشوا وكرسي رئيس الوزراء فارغ، لأن صاحبه الأصيل في غيبوبة، ووكيله رئيس مؤقت لحزب تحت التأسيس..
فأما القمة العربية الثامنة عشرة التي خذلت الخرطوم (بالذكريات المجيدة لقمتها التاريخية إثر هزيمة 1967) فقد أفقدها غياب معظم »الكبار« عنها الكثير من الوهج الذي كانت تحتاجه لتأكيد الجدية، وهكذا انصرفت الفضائيات العربية إلى تغطية الانتخابات الإسرائيلية (الباهتة) باعتبارها »مركز الحدث«… مع ملاحظة أن أبرز الفضائيات العربية هي بعض أملاك أولئك »الكبار« الذين غابوا عن القمة فجعلوها أقل أهمية من انتخابات لن تبدّل شيئاً لا في هوية الحاكم الإسرائيلي ولا في خطته السياسية العسكرية الهادفة إلى إلغاء فلسطين (بما فيها القدس الشريف) بالتفتيت المنهجي (المستعمرات الاستيطانية، جدار الفصل العنصري، مصادرة الأراضي وعزل البيت عن أهله إلخ)..
لم تعد القمم العربية مصدراً للقرارات التاريخية، اللهم إلا في التراجع والتنازل عن الحقوق القومية أو الوطنية، وتلبية الشروط المفروضة عليها، بقهر الهيمنة الأميركية التي تجاوزت الغرض السياسي والضغط الاقتصادي إلى الاحتلال العسكري المباشر، فضلاً عن الإذلال الإسرائيلي الذي أدمنه العرب فلم يعد له إيلام!
فالعرب لم يعودوا، في خاتمة المطاف، قوة يُحسب لهم حساب، فدولهم ضعيفة ومفكّكة يكاد الخوف من الداخل ومن الخارج يقتل أنظمتها، سلاحها ليس لعدوّها واقتصادياتها ليست في أيدي أبنائها.
أي قمة هذه التي تُعقد اليوم في غياب العراق كقضية، وكيانه السياسي مهدّد بالتفكّك، بل لعله قد تفكّك فعلاً، ووحدة شعبه تكاد تضيع في غياهب الفتنة المدبّرة بقرار واعٍ وقصد مقصود لم يعد الاحتلال الأميركي يتورّع عن الجهر به سياسة رسمية معتمدة؟!
وأي قمة عربية هي هذه التي يقف فيها المسؤول الفلسطيني، المخاصم لحكومته المنتخبة ديموقراطياً، فيناضل لمراعاة إسرائيل وعدم إغضابها ويدافع عن اتفاقات معها أكل عليها الدهر الإسرائيلي وشرب، فترحّب القمة بديموقراطية الفلسطينيين ثم لا تجد ما تردّ به على العدوان الإسرائيلي المفتوح والتذويب المنهجي للأرض الفلسطينية غير المطالبة بتنفيذ الاتفاقات المنسية عمداً؟!
لم يكن تنقص هذه القمة البتراء إلا الفضيحة اللبنانية متمثلة بالخلاف بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة حول المقاومة ودورها، لكي تتبدى خاتمتها نذيراً بمستقبل عربي بائس بأكثر ممّا يتصوّر المتطيّرون!
لقد تبدّى شارون في غيبوبته أقوى من القمة العربية بكل من حضرها أو غاب عنها… فهو قد أمّن الفوز لحزبه الذي اصطُنع على عجل، وهو ميت لم يُدفن، بينما القمة لم تستطع إنقاذ نفسها إلا ببيان ختامي إنشائي وصورة تذكارية..
مع ذلك لن يبقى منها إلا أنها انعقدت في الخرطوم، ولو بمن حضر، فلم تخذل شعب السودان الممتحَن في وحدته شعباً ودولة ثم أنها قد جدّدت لعمرو موسى أميناً عاماً لجامعة يريدها عربها أن تشيخ ويحاول عبثاً أن يُقنعهم بما يؤمن به الناس: إن العجز فيهم وليس فيها!

Exit mobile version