طلال سلمان

بين ديموقراطيتين!

لا يمكن استبعاد المقارنة على فظاظتها، ولا يمكن القفز من فوق الاستنتاجات التي تفرض نفسها علينا فرضاً، على قسوتها: بين الديموقراطية في دولة العدو الإسرائيلي وبين الديموقراطية اللبنانية الفريدة في بابها!
ثم ان التزامن في انفجار الفضيحتين في قلب »الديموقراطيتين« يزيد من أسباب الشجن، ويعمّق إحساس المواطن اللبناني بالمهانة والإذلال!
لا بد من أن ننظر العدو في عينيه، وأن نتعرّف أكثر فأكثر إلى أسباب قوته ومنعته ونجاحه في استقطاب هذا التأييد الدولي الواسع، وبالتأكيد فإن نجاحه في إشهار ديموقراطيته (الداخلية) بين هذه الأسباب.
ولا بد من أن نُخضع أنفسنا لحساب صارم على قصورنا وتقصيرنا وهذا التشهير اليومي بالذات والتساهل مع محاولة رمينا خارج التاريخ وداخل الهزيمة دائماً.
فأمس الأول، وبينما كل العالم، والعرب أساساً، يتابعون بأقصى الاهتمام تطورات الفضيحة التي كادت تنهي بنيامين نتنياهو كقائد »مجدّد« في نهج التطرّف العنصري والاستعمار الاستيطاني، كان اللبنانيون يغرقون في خجلهم وشعورهم بالضعة وهم يستمعون إلى مقررات مجلس الوزراء الذي نجح أخيراً، وبعد جهود مضنية، في الاجتماع، وفي استنساخ الترويكا، وفي استصدار صفقة التعيينات التي كان مختلفاً عليها، وفي استعادة جو الوئام والصفاء والوحدة الوطنية وتوطيد أركانها!
في دولة العدو يُحاسَب رئيس الحكومة المنتخَب مباشرة من الشعب على استغلال نفوذه لأنه عيَّن ومن ضمن صفقة سياسية تضمن له أصوات عشرة نواب مستشاراً قانونياً لحكومته، برغم أنه سرعان ما تراجع عن قرار تعيينه بعدما كشفت بعض وسائل الإعلام الرسمية أسرار الصفقة السياسية!
وفي دولة العدو ظل هذا »البعبع المخيف«، بنيامين نتنياهو، محتجباً يخشى مواجهة الناس (ناخبيه قبل خصومه) إلى أن أعلن المدعي العام عدم كفاية الدليل لإدانته، مع الإشارة إلى أن القضية سياسية وتبقى بالتالي مفتوحة للمحاسبة السياسية التي تخرج عن نطاق السلطة القضائية!
أما في عاصمة »الديموقراطية« العربية، بيروت، فإن السلطة نفسها تعترف بأن تعييناتها الأخيرة واحدة من سلسلة صفقات، أين منها السياسة، وأن بعض الذين عيَّنتهم ليسوا فوق الشبهات، وبعضهم الآخر كان يمكن أن يُلاحَق قضائياً وبجريمة عادية.
أبشع من هذا: ان السلطة توزع الجوائز على أقطابها وصولاً إلى أصغر أطرافها، فتكسر قراراً للمجلس الدستوري وتتجاوزه وكأنه لم يكن لتمدّد ولاية نوابها لمدة ثمانية أشهر إضافية (زيادة عن المدة القانونية المحددة بأربع سنوات!!).
وأبشع من هذا وذاك: ان السلطة لا تخجل بكشف تواطئها ضد الناخبين، فتستعيد تضامنها على قاعدة إرجاء الانتخابات البلدية!
واليوم، الخميس، ستنجز السلطة وعدها باصطناع انتخابات بديلة لانتخابات الاتحاد العمالي العام!
لكأن هذه السلطة تشكو من حساسية مرضيّة تجاه كلمة »الانتخابات«.
فهي كلما سمعتها أصابتها الرعشة واستنفرت أجهزتها الأمنية لضبطها وإلا فإلى إلغائها!
لكأن السلطة تريد إلغاء أي نوع وكل نوع من الانتخابات!
ان أعضاء نادي السلطة وحدهم يتمتعون بحق الانتخاب… وهم لا ينتخبون إلا أنفسهم!
فالنائب الآن هو الرئيس، وهو رئيس البلدية، وهو المختار، وهو رئيس النادي الثقافي، ورئيس الرابطة العائلية ورئيس جمعية المعاقين ورئيس تجمع دفن الموتى!
ولولا بعض الإشكالات لكان هو ذاته قد انتخب نفسها رئيساً للاتحاد العمالي العام!
إن السلطة يرشو بعضها بعضاً، علناً وعلى رؤوس الاشهاد!
انها تقنع نفسها أولاً، على طريقة »اللبناني الأول« اسكندر الرياشي، برشوة مباشرة، ثم تذهب لرشوة الآخرين بما تبقى من »الفراطة«!
لقد سقط الخوف من الحساب،
كذلك انتفى الحياء،
والنواب الذين سيعيدون غداً انتخاب أنفسهم يعرفون أن كل قانون يصدر عن مجلسهم بعد تمديد ولايته هو قانون غير دستوري، كما يؤكد حارس القانون الدستوري حسن الرفاعي.
مع ذلك فهم سيمدّدون لأنفسهم، ربما من باب التحسّب لتمديد آخر قد تفرضه الظروف كرة أخرى..
حرام أن توجَّه إلى اللبنانيين كل هذه الإهانات دفعة واحدة!
حرام أن تسفح كرامتهم في الداخل تحت لافتة الديموقراطية بينما هم يسفحون دماءهم طوعاً في مواجهة العدو الإسرائيلي في الأرض المحتلة!
حرام أن تعطى إسرائيل هذه الشهادة المجانية لديموقراطيتها بما يزيد من عناصر قوتها بينما يضيق علينا الحصار داخل الحلقة الجهنمية للهزيمة المفتوحة..

Exit mobile version