طلال سلمان

بين جدل سلطة وفاقية تهديدات اسرائيلية من واشنطن

لا مجال للتمويه وطمس الحقائق: ما زال لبنان على خط الزلازل، يتهدده التشقق الداخلي بقدر ما تضغط عليه الحرب الإسرائيلية التي لما تتوقف، والمعززة بالإسناد الأميركي المعلن والمنادي بضرورة إخراج «حزب الله» من ميدان المواجهة بأي ثمن، وأساساً وكشرط لا بد منه: من قلب حكومة الوفاق الوطني، والتعامل معه وكأنه مجموعة من المخربين الخارجين على القانون الدولي، مما يهدد «السلم» في هذه المنطقة التي باتت إسرائيل نقطة الارتكاز فيها.
على صعيد الحكم، ينكشف يوماً بعد يوم حجم الارتباك والتردد الذي تعيشه سلطة التوافق بالأمر التي وصل أركانها إلى مواقعهم بالتسويات الاضطرارية التي جاءت بالخارج إلى الداخل، أحياناً، أو هي أخذت الداخل البلا داخل إلى الخارج، وهو خوارج، لعقد هدنة بين اشتباكين، عند بوابة الحرب الأهلية.
لقد صارت مواضيع الخلافات السياسية على جدول أعمال مجلس الوزراء تحمل عناوين مموهة سرعان ما يُسقطها النقاش فيرجع كل فريق إلى موقعه «الأصلي» ليتبدى رئيس الجمهورية في صورة الواعظ الذي يكرز وصاياه على جمهور مشغول عنه بهمومه الثقيلة.
مناقشات عقيمة حول قانون الانتخاب، تختلط فيها المفاهيم التقليدية بصراع الأجيال، والهواجس الطائفية بالتحولات الديموغرافية، وهكذا يحرّك حديث النسبية مواجع أقلوية، ويستفز مطلب إشراك الشباب الذين بلغوا الثامنة عشرة أهل النظام العتيق، فينادون بالمقابل بإدراج المغتربين على لوائح الشطب، مستخدمين الزجل للقول إنهم «ملايين الملايين»، قبل أن يتناول الجميع الفاكهة عبر التوحد في ضرورة تخصيص مقاعد للنساء في البلديات، على ألا تزيد نسبتهن عن العشرين في المئة!
أما إذا ما لامس النقاش موضوع الدين العام وبالتالي «الضرائب» التي ينوون فرض المزيد منها بذريعة تسهيل السداد، فإن الأقنعة تتساقط وتطل الأغراض لتحتل المسرح، ومعها الاتهام بتعطيل الوفاق والتسبب بانهيار حكومته التي لما تنجز بنداً واحداً من جدول أعمالها الثقيل!
الدعوات الخارجية عديدة وتلبيتها واجبة، وبين كل زيارتين رسميتين تعقد جلسة نقاش بلا ثمار لمجلس الوزراء، ثم يرجأ النقاش إلى ما بعد العودة، لعل الأعصاب ترتاح فيمكن إنجاز التوافق حول أمر ما… والموازنة تنتظر البلديات، والبلديات تنتظر صيغة الاقتسام، والاقتسام يحتاج المغتربين وتفسده النسبية، فالحل بالإرجاء، لكن الإرجاء يعطل مناقشة الموازنة وإقرارها وهكذا…
ولأن الأرض تستمر في دورانها حول الشمس ولا تتوقف لتعرف نتائج المماحكات التوافقية حول المسائل الخلافية، داخلياً، نشهد تصاعد التهديدات الأميركية لإيران، وقد اتخذت على اللسان الإسرائيلي طابع الإنذار موجهاً ـ الآن ـ إلى لبنان وسوريا والفلسطينيين الذين ما زالوا على سلاحهم يقاومون..
وهكذا يطير وزير الحرب الإسرائيلي إيهود باراك إلى واشنطن ليوجه منها مباشرة «إنذاره» بتدمير لبنان، شعباً ودولة وحكومة وبنية تحتية، قبل المقاومة ومعها وبعدها، مستعيناً بتفسيره الخاص للقرار 1701، الشهير بنقصه الفاضح، إذ نص على وقف إطلاق النار من دون أن يشدد على وقف الحرب.
في حين أن القرار 1701 بقراءة إيهود باراك له «كان يستهدف إنهاء إشكالية حزب الله في لبنان… وهذا من شأنه تعقيد الأمور، إذ أن لبنان لديه ميليشيا… ولدى الحزب أعضاء في البرلمان، بل وأعضاء في الحكومة، ومع حق الفيتو..».
ومن محاسن الصدف أن ينشر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون نص تقريره الدوري حول الوضع في لبنان الذي يكتبه، أو يملي نصه ـ عادة ـ المخبر الخاص لدى الإسرائيليين تيري رود لارسن، فإذا به يقدم الدعم لمنطق إيهود باراك… فبرغم أن بان كي مون عبّر عن «رضاه عن التزام المعنيين القرار 1701»، إلا أنه يجد أن «الوضع ما يزال هشاً»… وهو يقرر أن «حزب الله يواصل الاحتفاظ بقدرة عسكرية كبيرة مختلفة عن تلك التي للدولة اللبنانية»… وهنا يصل بان كي مون إلى الاستنتاج الخطير فيقول: «إن ذلك يشكل انتهاكاً للقرارين 1701 و1559»!
ذاكرته قوية بان كي مون، فها هو يستذكر القرار الذي فتح بوابة جهنم على لبنان، وإليه ينسب معظم الشرور والحرائق والاغتيالات التي ملأت بالدم صفحات عديدة من تاريخ لبنان الحديث.
[ [ [
لنعد إلى الداخل حيث تبدو الحكومة متعثرة في شباك الوفاق بين المختلفين الآتين إلى المشاركة في السلطة يتقدم كل طرف منهم الارتياب في الآخر.
إن الجلسات المتعددة لمجلس الوزراء كشفت حجم الخلاف، من دون أن ينفع الإرجاء أو تعليق النقاش في تبديل المواقف التي يعتبرها كل طرف بين ركائز وجوده السياسي. يكفي نموذج تعذر التوافق على تعيين لجنة من خمسة أعضاء للرقابة على المصارف! لأن المصارف لم تعد صناديق لمال الآخرين، بل هي غدت ـ في مختلف دول العالم ـ مركز تأثير فكيف في دولة خزينتها مثقلة بالديون وهي تعيش على الاقتراض والتفنن في ابتداع الضرائب الجديدة أو زيادة عائدات الضرائب القديمة بذريعة… سداد الديون؟!
خلاصة القول إن نبرة جديدة ـ قديمة، عادت تطل عبر تصريحات أو إيماءات أو أقوال غير رسمية لمسؤولين كبار، تنذر بإعادة النظر في صيغة الحكومة التي لما تثبت نجاحها.
لقد انتهى زمن التشاطر وتبادل قذف كرة النار من طرف توافقي إلى آخر، وبات الحسم ضرورياً، لإطلاق عجلة الإنتاج الحكومي المعطل منذ دهر. بات ضرورياً تحديد المسؤولية عن التأخير الآخذ إلى الشلل… فالحكومة العاجزة عن القرار تتسبب في تعطيل مجلس النواب الذي تبدى على حقيقته مفضوحاً عبر المماحكات حول ضرورة تعديل الدستور من عدمها في أمر شكلي لن يقدم في الديموقراطية ولن يؤثر… إنه مجرد انتيكخانة لمبتدعات التمويه على الطائفية بالمذهبية وبالعكس.
.. وها أن رئيس الجمهورية قد لبى بسرعة قياسية نداء بان كي مون، بأن يدعو إلى انعقاد طاولة الحوار. فأصدر مذكرة يحدد فيها المدعوين المفترضين إلى هذه الطاولة السحرية العتيدة، تاركاً تحديد الموعد للتفاهم عليه معهم في الوقت الفاصل بين زيارتين رسميتين وخاصتين.
أما تهديدات القادة الإسرائيليين فلم يجد فيها أركان الطبقة السياسية من أهل النظام ما يستوقفهم ويدفعهم إلى الرد عليها بمثلها أو حتى بأقل منها..
لعلهم فضلوا جميعاً أن يتركوا الأمر لقمة دمشق التي جمعت إلى الرئيس السوري الرئيس الإيراني ومعهما الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله، في صورة تؤكد الاستعداد للرد على أي اعتداء محتمل بالفعل لا بالكلام، مع الافتراق عن الشكليات البروتوكولية التي تعطي الصدارة لرجال السلطة بينما أهل المقاومة هم أهل الأرض وحماتها، حماة شعوبها ودولها والرؤساء… بعيداً عن المساومات مع الدول العظمى وقوى الهيمنة الذين لا يعترفون إلا بالقوة ولا يتعاملون إلا مع أهلها..
والختام نصيحة إلى أهل السلطة في لبنان: الوقت أخطر من أن نضيّعه في المهاترات حول زيادة الضرائب على عامة الناس بدلاً من التقدم خطوة على طريق العدالة الاجتماعية في هذا الزمن الصعب.

Exit mobile version