طلال سلمان

بين تمديدين وحربين

يرتكب الرئيس إميل لحود خطأ جسيماً إذا ما صدّق »النكتة« التي بادره بها أحد كبار المهنئين بالتمديد من أنه أثبت أنه أقوى من هتلر الذي اجتمعت عليه أوروبا وأميركا حتى استطاعت أن تهزمه، بينما استطاع فخامته أن يهزمها جميعاً شر هزيمة.
وتخطئ المعارضات التي تجمعت تحت راية رفض التمديد إذا ما توهّمت أن العالم كله معها ضد سوريا، وأن قرار مجلس الأمن الدولي 1559 لا هدف له أو منه إلا تجسيد احترام المجتمع الدولي للدستور، وللمادة 49 منه بشكل خاص.
ولكن »النكتة« كما الاستنفار السياسي لقوى الاعتراض المتعددة الأهداف، يدلان على أن التمديد كان »حرباً دولية« فعلاً، وأن موضوعها الحقيقي كان يتجاوز لبنان الذي شكّل، مرة أخرى، أرض مواجهة بين مشروعين يتجاوزان محلياته بتفاصيلها جميعاً ومرجعياتها بالمطلق، سياسية ودينية وبين بين..
ويرتكب الرئيس إميل لحود »خطيئة مميتة« إذا اعتبر التمديد مكافأة له على حساب اللبنانيين وفي مواجهتهم، سواء أكانوا مؤيدين للتمديد أم معترضين عليه، خصوصاً أنه خارج المعادلات السياسية القائمة في هذه المنطقة التي باتت فيها الإدارة الأميركية »الجار الكبير« لم ينجز الكثير ممّا يستحق المكافأة، بل لعل حسابه على مستوى الإنجاز ينتهي بنتيجة سلبية.
وترتكب المعارضات خطأ سياسياً جسيماً إذا ما اعتبرت أن »الدول« تعمل لحسابها، وأنها معنية فعلاً باحترام الدستور في لبنان، بل الديموقراطية فيه، بمعزل عن مصالحها والحروب المفتوحة على هذه المصالح في ما بينها، بداية، ثم مع دول المنطقة أو ما تبقى منها.
وكما أن التمديد للرئيس السابق الياس الهراوي في العام 1995 قد فرضته أو برّرته لحظة سياسية شديدة الدقة، مع سيادة مناخ يوحي بأن الوصول إلى تسوية للصراع بين سوريا ولبنان من جهة وبين إسرائيل من جهة ثانية، هو قاب قوسين أو أدنى، وبضمانة مباشرة من الولايات المتحدة الأميركية بالذات ومعها من معها من الدول ذات الوزن، أي أكثريتها..
… كذلك فإن التمديد للرئيس إميل لحود قد فرضته أو برّرته لحظة سياسية شديدة الدقة، مع سيادة »مناخ حربي« عنوانه »احترام الدستور في لبنان« بينما موضوعه الأصلي يتجاوز لبنان كله إلى التوازن الجديد للمصالح في المنطقة، بعد الاحتلال الأميركي للعراق، بكل تداعياته الخطيرة.
ولافت أن يكون بعض دعاة التمديد لرئيس الجمهورية قبل تسع سنوات بالمبرّر الإقليمي، أساساً، ومع تجاوز العامل الشخصي أو المحلي، يغفلون اليوم التأثير الفادح للمصالح الدولية، والأميركية أصلاً، على »الإقليم« كله، وسوريا بالذات، وعلى لبنان بالاستطراد.
هذا لا يعني أن المبرّر الإقليمي يمكن تحويله إلى تزكية مطلقة لشخص رئيس الجمهورية اليوم، كما هو لم يكن تزكية مطلقة لشخص الياس الهراوي قبل تسع سنوات، حتى لو أخذنا بالاعتبار أن الصوت المحلي في التمديد للهراوي قد لعب دوراً ملحوظاً في القرار السوري، آنذاك، وربما أكثر مما لعب في قرار التمديد لإميل لحود.
وربما لأن الغطاء المحلي لقرار التمديد يومها كان »أكثف« ويشكل شيئاً من القبول »اللبناني«، فقد تبدى التمديد لإميل لحود وكأنه تحد لإرادة اللبنانيين واستغناء عن دورهم في قرار بمثل هذه الخطورة.
ليست »الدول« مع التمديد أو ضده، وليست مع »الهراوي« وضد »لحود«، فمشاغلها من حروب المصالح إلى مواقع النفوذ تتجاوز مثل هذا الترف اللبناني العريق..
والمهم ألا يتحوّل التمديد إلى ابتزاز مزدوج للبنانيين المثقلين بهمومهم:
كأن يعتبر من قالوا »نعم« أنهم يستحقون »جوائز« في السلطة توازي »تضحياتهم« الهائلة التي جعلتهم موضع غضبة الشعب، وكأن الحصول على »حقيبة وزارية« يرضي الشعب الثائر ويجعله ينسى فعلتهم..
أو كأن يعتبر بعض من قالوا »لا« إنهم إنما بذلك قدموا أوراق اعتمادهم إلى »الدول«، منتظرين أن ينالوا عن تضحياتهم هذه مكافأة لا تقل عن جعلهم أصحاب الكلمة الفصل في عهد ما بعد التمديد… خصوصاً وقد وفر لهم هذا الموقف الرافض تزكية شعبية ملحوظة.
وصحيح أن الغضبة الشعبية على التمديد قد تطيح غداً ببعض هذه الطبقة السياسية الرثة، عقاباً لهم على ما ارتكبوه من قصور وتقصير قبل التمديد وعبره.
ولكن، بالمقابل، فإن الرضى الشعبي عن معارضي التمديد لن يحوّلهم إلى أبطال إذا وجدهم يستقوون بالقرار الدولي في اللعبة المحلية، بغض النظر عن تأثير هذا القرار الدولي على مستقبل لبنان وهويته، وتحويل علاقته مع سوريا من »حالة تحتاج إلى معالجة« إلى حرب مفتوحة.
وربما كان صحيحاً أن اللعبة الدولية قد حولت لبنان إلى ساحة حرب، ولكن ذلك بالتحديد يمنع اللبنانيين أن يخوضوها ضد سوريا، ممّا يجعلها حرباً أهلية.
ودروس التجارب الطويلة تعلمنا أن الحرب ضد سوريا تمزق لبنان، وأن تصحيح العلاقة معها يكون بتغليب منطق المصالح المشتركة، وبإشعارها أننا شركاء في السراء والضراء وأن مصلحة لبنان لا يمكن أن تكون على حسابها.
إن مجرد المفاضلة بين سوريا وبين الدول الكبرى البعيدة خطأ سياسي فاضح، والاستعانة بهذه الدول ضد سوريا هي عملية انتحارية.
إن العلاقة مع سوريا مختلة، باعتراف السوريين قبل اللبنانيين.
لكن إصلاحها يكون من داخلها، أي من داخل الاطمئنان إلى سلامتها، وليس من خارجها، حتى لو كان هذا الخارج مجلس الأمن الدولي.
ومؤكد أن سوريا قد رأت في التمديد سلاحاً في مواجهة حرب فرض عليها »أبطالها« الدوليون أن يكون مسرحها لبنان، بينما أهدافها في قلب سوريا نفسها فضلاً عن دورها في محيطها… ودائماً مع التذكير بأن الولايات المتحدة باتت »الجار الرديء« والجبار والذي يستطيع التحكّم بالقرار الدولي، سلباً وإيجاباً، وبيعاً وشراءً كما تثبت رحلة الموفد الأميركي ونتائج محادثاته في دمشق.
ولا يجوز أن يكون الغرم علينا، في لبنان، في هذه الحرب بينما الغنم »للجار الأميركي« الذي تحرق جيرته أكثر من عداوته.. على البُعد.

Exit mobile version