طلال سلمان

بين السيف والدم

يستحيل التفاوض بين السيف والدم. لا يملك القتيل أن يفاوض قاتله. الشرط البديهي أن يكون «الفلسطيني» كل العرب ليستطيع مواجهة إسرائيل بوصفها دولة يهود العالم. لكن العرب لم يجتمعوا يوماً في فلسطين أو تحت رايتها. ظلوا شتاتاً لا رابط بينهم إلا اللسان، والعربية ليست لسان «الدول» ولا لغة القرار، في زمن الهزيمة.
مرة واحدة تبدى وكأن، معجزة وحدت ميدان المواجهة، لكن السادات سارع الى اغتيال النصر العربي المحتمل في حرب رمضان 1973 بالصلح المنفرد، ودفعت مصر غالياً، من قرارها ومن عروبتها ومن حريتها ضريبة التفاوض من موقع الهوان مع المحتل الذي خرج من بعضها ليحتل إرادتها جميعاً.
بعد عشرين عاماً من النصر المؤود، فتحت المغامرة الانتحارية لصدام حسين بغزو الكويت، باب التفاوض العبثي مجدداً بين العرب، وقد حذفت منهم مصر، والعدو الإسرائيلي، تحت رعاية الأميركي الذي سيغدو بعد مدريد 1993 شريكاً للعرب والإسرائيليين معاً. لكن فلسطين لم يكن لها مقعد، وهكذا تركت عارية من عروبتها تحت ثلوج أوسلو، بينما ذهب الأردن الى صلحه الملكي في وادي عربة، في حين استرهنت سوريا بالجولان ولبنان بجنوبه فظل يقاتل لسبع سنوات طوال حتى حرره بدماء شهدائه وجهاد أبنائه المقاومين.
بديهي القول إن الصلح المنفرد شطب مصر، ثم شطب الأردن، فتم حصار سوريا ولبنان، قبل ان تتخذ إسرائيل من «الفلسطيني» «رهينة» طالما انها قد أدخلته أرضه التي لم تعد أرضه بشروطها، وأولها أن يخرج على «أهله» العرب، وثانيها ان يخرج منه «أهله» في الشتات، وله ان يرفع من الرايات فوق سجنه ما شاء، طالما انه منضبط في تحويل «الثوار» و«الفدائيين» الى شرطة عسكرية للاحتلال…
«السلطة» هي مزيج من الأسير والشريد، المستضعف، المستوحد، المبجل بألقاب السيادة والمعالي والسعادة، لا الأرض أرضه فعلاً، ولا القرار قراره فعلاً.. له موقع في «الصورة» من أجل تعميم الوهم بوجوده شريكاً وما هو بالشريك.
والحمد لله ان المفاوض الفلسطيني، الذي يكاد يكون بلا قيد رسمي، داخل الأسوار الإسرائيلية وليس خارجها، وإلا لكان فرض عليه ان يقسم يمين الولاء للدولة اليهودية الديموقراطية، ولتعذر عليه ـ بالتالي ـ ان يفاوض باسم فلسطين. بل لعله غداً سيجبر على الخيار بين القسم وبين الأرض.
العرب غائبون، وبعضهم الفلسطيني مغيب، والقوة إسرائيلية، والراعي هو الرئيس الأميركي المتهم بلونه وببعض جذوره الإسلامية… فكيف يسمى تفاوضاً هذا المشهد الكاريكاتوري في البيت الأبيض، خصوصاً وقد اضطرت بعض صحافة مصر الى تعديله، في محاولة بائسة لاستعادة كرامة مضيعة، ولا يهم ان يكون قد ذهب ما تبقى من فلسطين، بل المهم حفظ المقامات!.
التفاوض ـ كما هي حاله الآن ـ استنزاف إسرائيلي للقضية بما هي الإطار الجامع لأهل فلسطين المنتشرين في صحراء ضياعهم على امتداد وطنهم بين المحيط والخليج.
إن إسرائيل تفاوض الإدارة الأميركية على تقاسم المنطقة جميعاً التي فقدت اسمها وهويتها يوم ضيعت فلسطين، ففقدت حقها في القرار. وباتت شريكاً في الجريمة وليس مجرد شاهد زور؟
عن هاوية التفاوض هذا العدد.

Exit mobile version