طلال سلمان

بيروت..ورفيق الحريري

لا يحتاج الرئيس رفيق الحريري الى أدلة وبراهين للتدليل على قوة موقعه في السلطة. وليس في لبنان كله مكابر لا يسلم باحتياج هذه السلطة إليه، خصوصا وأنه قد أمدها بقدر من المصداقية التي كانت تفتقدها.
ولا يحتاج الرئيس رفيق الحريري إلى شهود وشهادات على تقدير اللبنانيين لشخصه وإعجابهم بحركته النشطة في الداخل والخارج، وحيويته في الترويج لمشروعه الاقتصادي بحيثيات سياسية، ولمشروعه السياسي بحيثيات اقتصادية، بالرغم من الملاحظات والمآخذ التي يمكن أن تسجل على هذا المشروع.
لقد دخل رفيق الحريري دست الحكم من بابه العالي، قبل أربع سنوات، وحظي بتأييد الأكثرية المطلقة في مجلس النواب (110 أصوات)، وهو لم يكن نائبا ولا رئيسا لكتلة نيابية كبرى.
ودخل رفيق الحريري قلوب اللبنانيين إجمالا حين لم يكن طالب ولاية، وحين لم يكن فريقا او طرفا في المخاصمات والمناكفات،
وهو دخل القلوب من خلال ما قدمه على المستوى الاجتماعي والانمائي عموما (منح للطلاب، مساعدات صحية، مشروع الجامعة في كفرفالوس، والعديد من الأعمال ذات الطابع الخيري)، وحين لم تكن تلك التقديمات مرتبطة بأي غرض سياسي ظاهر.
ولعل الكثير من اللبنانيين، في بيروت وخارجها، يقبلون الآن على إعطاء أصواتهم لرفيق الحريري من باب الوفاء.
ويستحق رفيق الحريري مثل هذه المكافأة من المدينة التي تميزت بوفائها لكل من اعطى من عمره أو من فكره أو من ماله ما ينفع قضايا أمته العربية ولبنان منها، وهي من أولئك جميعا في الصميم.
ولا يحتاج رفيق الحريري إلى من يذكره بتاريخ بيروت وبخصائصها المميزة، بنضالاتها وصمودها ومقاومتها الباسلة لدعوات الانحراف والانعزال كما لجموح السلطة او لمحاولات التسلط عليها وقهر إرادتها قبل الحرب الأهلية وخلالها وبعدها،
ولأن بيروت عاصمة للعروبة فقد اندفعت تخوض المعركة ضد الأحلاف الأجنبية حتى إسقاطها، وسلمت رايتها وزمام أمرها لقادة حركة التقدم والوحدة والمقاومة العربية للغاصب الخارجي، وللمستغل الداخلي،
ولأن بيروت عاصمة للعروبة فقد شرفها ان تجعل من نفسها الشارع الوطني العربي والمنتدى الفكري العربي، والكتاب والمطبعة والمشفى والمصرف والمنتجع وصحيفة الصباح العربية،
فيها ولدت وإليها لجأت وفي رحابها ترعرعت الحركات الثورية العربية، ومنها انطلقت الدعوات الى التغيير خروجا من ظلام التخلف ولحاقا بالعصر،
أعطت جمال عبد الناصر أكثر مما أخذت منه، على مجد ما أعطاها، وأعطت المقاومة الفلسطينية بلا حساب، وما أعظم ما أعطتها، وأعطت معركة تحرير الأرض المحتلة قبل حرب تشرين المجيدة وخلالها وبعدها، والتحمت مع سوريا حافظ الأسد بوصفها قلعة الصمود وحامية إرادة التحرير العربية،
أما على صعيد الداخل فقد أعطت الجميع شرف الانتماء إليها بلا منة، واحتضنت اللبنانيين كلهم من دون تمييز أو عصبية ضيقة تنبذهم كوافدين او تحرمهم الإسهام في بنائها بوصفهم »طارئين«..
عن هذه البيروت يرشح رفيق الحريري نفسه، وقد تلقته بالترحاب، وإن كان اللبنانيون جميعا يتمنون عليه أن يأخذ ببعض الملاحظات، حتى لا تختل العلاقة أو تبنى على »زعل«… ومنها:
الملاحظة الأولى ان رفيق الحريري ليس بديلا من أحد، وليس خاصة بديل الجميع في بيروت، إنه إضافة نوعية الى السابقين والثابتين والذين أعطوا بيروت وعبرها الوطن والأمة. لا هو بقادر على الغائهم، ولا هو يغني عنهم، خصوصا وقد أفسحوا له الطريق إلى الصدارة بِكِبَر المقرّ بدور غيره والمرحب بأن يتقدم عليه طالما هو مؤهل لانجاز ما منعهم قصور الامكانات من إنجازه.
الملاحظة الثانية من يرى في رفيق الحريري في بيروت خصما، يسيء إلى بيروت مرة وإلى رفيق الحريري مرتين … فليس للحريري، مبدئيا، من يستخصمه إلا من يقرر هو استدراجه أو استعداءه وتصنيفه خصما.
الملاحظة الثالثة لم يكن قبل رفيق الحريري العدم، ولو كان ذلك صحيحا لما تمكن من أن يجيء، ومن ان يحكم.
لقد دخلت البلاد جو السلم الأهلي بعد إنهاء التمرد العسكري (عون)، وتوطد الأمن، وأقرت التعديلات الدستورية التي عدلت صيغة الحكم في البلاد، استنادا الى وثيقة الطائف كما إلى التحولات الحاسمة داخليا، من قبل أن يصل الحريري إلى الحكم… وربما ما كان ليصل لولاها، أو أنه ما كان ليقدر أن يطرح خطته وأن يباشر تنفيذها.
الملاحظة الرابعة لا يستطيع رفيق الحريري أن يكون ابن النظام وأحد حماته وخصمه في الوقت نفسه.
والذين يخاطبون رفيق الحريري وكأنه نقيض النظام ومن خارجه، يزوِّرون مرتين: في حقيقة النظام، وفي حقيقة الحريري وموقفه.
الملاحظة الخامسة ليست الأمور ممتازة في البلاد، لا على المستوى السياسي ولا خاصة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي… ومن ينتخبك سيعطيك صوته باعتبارك وعدا بغد أفضل، وليس كحصاد ثمار الانجاز.
الملاحظة السادسة ليس من مصلحة رفيق الحريري ان يبدو متفردا وان يحتكر القرار أو السلطة. وليس من السياسة أن يزيد المستشارون والموافقون ويقل عدد الحلفاء، وان يتزايد عدد الخصوم ويقل عدد الشركاء.
فالبطانة ليست الناس، وأجهزة السلطة ليست هي الناس.
الناس قد أعطوا من قبلك، وهم يعطونك اليوم طوعا ومن دون منّة، وليس خضوعا أو تنفيذا لأمر الشرطي.
لهذه الأسباب مجتمعة فإن رفيق الحريري هو صاحب مصلحة فضلى في أن تكون انتخابات بيروت نظيفة إلى أقصى حد ممكن، وبلا مخالفات أو تجاوزات أو هنات هينات إذا أمكن.
لا يحتاج الحريري إلى من يزوِّر له لينجح،
ولا هو يحتاج لأن يقسر الناس على التصويت للائحة كاملة تحت طائلة العقاب، لأن حجمه ودوره السياسي في البلد لن يتأثرا بعدد النواب في كتلته، بل لعله الآن سيتعرض للتحجيم فيصغر عما كان، لأنه من قبل كان حجما مطلقا ومفتوحا وغير محدد.
ونتمنى أن يعطي رفيق الحريري بيروت الهدية الثمينة: انتخابات نظيفة من كل عيب، تحفظ كل ناسها وكل من يستحقون شرف تمثيلها، من داخل أو من خارج لائحته… ولا سيما من خارجها.
وأهلا برفيق الحريري مرشحا عن بيروت ثم نائبا باسمها.

Exit mobile version