طلال سلمان

<مدرسة> بيت لحم

هي صورة من بيت لحم، في فلسطين التي نكاد ننسى اسمها المطموس بعد الاحتلال الإسرائيلي بالسلطتين المتصارعتين على الرغيف والنور والمعابر والضرائب والرسوم والهبات والصدقات والمساعدات المثقلة بالشروط المهينة.
هي صورة جميلة حتى لتكاد تكون أقرب إلى الحلم منها إلى الحقيقة: مجموعات من الفتية والفتيات، بينهم أسراب من الأطفال، يسيرون في ما يشبه التظاهرة، لكي يجمعوا الإعانات لأشقائهم التلامذة في غزة المتروكة لمصيرها في ظلام الصراع على السلطة الذي يكاد ينقلب إلى فتنة أو حرب أهلية بين رفاق السلاح ، سابقاً، والإخوة في الوطن الذي تكاد تضيّعه القيادات التي سقطت في امتحان الجدارة بتحريره.
كان الفتية يحملون اللافتات ومعها صناديق صغيرة (تشبه الصناديق الانتخابية ذات الثقوب في أعلاها!) يُسقطون فيها ما يجمعون من أنواع النقد، التي يتبارى في دفعها الفقراء وأشباه المعدمين من العاطلين عن العمل وصغار الكسبة… وعلى اللافتات كلمات بسيطة تتجاوز الصراع العقيم على سلطة تكاد تضيِّع وطناً لتؤكد البديهية التي لا تستطيع الشرطة أو القوة التنفيذية أن تلغيها.
هي صورة بسيطة تشع صدقاً، وتعيد الاعتبار إلى ما كاد يذهب به صراع السلطتين من ثوابت الانتماء إلى الأرض المحتلة ذاتها، والإذلال الذي يمارسه العدو الواحد ضد الشعب الواحد مستعيناً بالانقسام الداخلي لكي يفتك بفلسطين جميعاً، شعباً وأرضاً وحلماً بدولة لوطن.
الجانب الآخر من الصورة: رصاص الاحتلال الإسرائيلي يردي مجموعة ممن كانوا مجاهدين في غزة، أو يطارد مجاهدين اطمأنوا إلى حماية السلطة في الضفة الغربية… فالاحتلال بات يستعين بأهل السلطة كأدلاء (هنا)، قبل أن يحرّضهم بل ويعينهم على إخوتهم (هناك)، بينما رصاصه يصرع المجاهدين في الشطرين، وحصاره يصرع النور والرغيف ومياه الشرب… والوحدة الوطنية!
أما الحدود مع الإخوة العرب فمكهربة، والمعابر مقفلة إلا بإذن من الاحتلال، وللذين تابوا عن المقاومة واستقالوا من النضال وأسقطوا من ذاكرتهم الوطن المستحيل طالما الخيار بين أن يعيشوا من دونه أو يموتوا في سبيله.
[ [ [
بعد أيام سيعود التلامذة في لبنان إلى مدارسهم…
لكن مدارسهم لن تكون بمجملها أداة جمع لأبناء وطن واحد من أجل مستقبل أفضل، بل هي ستكون، وبغير قرار منها، تجسيداً أولياً للكانتونات الطائفية والمذهبية… ومشاريع الحرب الأهلية المقبلة!
لقد اقتحم الشارع بيوت العلم فأفسد مناخها، وجعلها ولاّدة للانقسامات: تبرّرها وتفذلكها وتعمّق أساساتها بحيث تستحيل الوحدة من بعد.
لكن الاهتمام يذهب إلى محاولة تخيّل شكل السلطتين في لبنان الذاهب إلى خيار بائس، بهمّة الدول وقواه السياسية التي تطأفت وتمذهبت بحيث باتت الدولة الواحدة الموحدة ترفاً لا يطلبه إلا السذج ولا يعمل لمشروعها إلا الأقوياء بإيمانهم ممن يرفضون الانخراط في مشاريع التقسيم الطائفية والمذهبية أو ترفضهم هذه المشاريع المحصنة بتجربة الاحتلال الأميركي في العراق بعد تجربة الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين.
متى تكون لنا مدارس كالتي في بيت لحم!

Exit mobile version