طلال سلمان

بيان معارض حكومة لمواجهة تحكم فساد

بات الهجوم على الفساد الاداري تحية الصباح في لبنان،
أما المطالبة بالتصدي للازمة الاجتماعية ومقارعة الفقر فهي تحية المساء!
رئيس الجمهورية الياس الهراوي الذي اضاف الى خطاباته الرسمية تصريحاته المرتجلة وتسريباته الصحافية المدروسة، يقسم برأس القديسين جميعاً انه لن يهدأ له بال حتى يقضي على الفساد الاداري.
ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، الذي لا يعين خفير من الطائفة الشيعية وبالتالي من الطوائف الاخرى، للتوازن، الا باذنه، ولا يدخل استاذ ملكوت الجامعة ولا ينجح طالب فاشل الا بمعرفته، ولا يصرف قرش في الجنوب (وبعض البقاع) الا بتوقيعه، يصدر البيانات الحربية مطالبا بتشكيل لجان تقصي الحقائق وفتح التحقيقات لكشف المستور وفضح المطمور من الصفقات، سواء في الطرقات والتلزيمات بالتراضي او في الاعلام المرئي والمسموع، او في ممتلكات بنك انترا وصولا الى طيران الشرق الاوسط.
ويكاد يقسم »الاستاذ« انه لن يهدأ له بال طالما بقي في الادارة فاسد او مرتشٍ او مزور او متستر على مرتكب،
ورئيس مجلس الوزراء رفيق الحريري يلقي المحاضرات ويصدر البيانات الموثقة ويطلق التصريحات العنيفة ويساجل في الجامعة عن رغبته الحارقة والمقموعة في الاصلاح، وعن اصراره العنيد على مكافحة الفساد والفاسدين اينما كانوا، علماً بانه شخصياً قد سمى المجموعة الكبرى من موظفي الفئة الاولى في السنوات الاربع الاخيرة، اضافة الى القيادات المعظمة للمجالس الفخيمة الرواتب والصلاحيات التي تنفق معظم ما نستدينه من دولارات.
أما الوزير وليد جنبلاط فقد شهر السيف منادياً بضرورة الاصلاح، ولو بالبتر وفوراً، متخوفاً من ان تغرق السفينة بمن عليها.
كذلك الوزير محسن دلول الذي كاد يربط بقاءه في الحكومة بالاقدام على التطهير،
في حين تعاظمت فصاحة الوزير فؤاد السنيورة بعد انكشاف فضيحة الطوابع ثم انحسارها.
الى جانب هؤلاء هناك الوزراء الثوابت ورمزهم الدائم ايلي حبيقة الذي يقال ان تلزيماته قد غطت موازنات الاعوام المتبقية من القرن العشرين، وكلها غب الطلب اي بالتراضي ومن فوق رأس ديوان المحاسبة واجهزة الرقابة،
ومن الصفوف الخلفية تتعالى مطالبات وزراء الدرجة الثانية،
ومن المجلس النيابي (السابق ثم الحالي) تتواتر الهمهمات التي تشير الى ضرورة القضاء على الفساد بالاصلاح.
ثم اننا نسمع الحديث نفسه مع بعض التعديلات من مسؤول رصين ودقيق في تعبيراته ومهذب في تلميحاته كالرئيس سليم الحص،
ونسمع المعنى نفسه وان بتعبيرات طرابلسية من الرئيس عمر كرامي،
أما من الرئيس حسين الحسيني الذي غطت رئاسته المجلس السنوات الاربع الاولى من جمهورية الطائف، فقد سمعنا، في السابق، اتهامات قاسية كادت تصل الى تسمية »الشخص« وكادت تحصر فيه كل انواع الفساد والافساد مما لم نعد نسمع مثله الان، وان استمر الايحاء والايماء،
كلهم يهجمون على الفساد فلا يطاله منهم اي ضرر،
الحكم برمته، برموزه والثوابت، بالترويكا والشلايكر، بالجملة والمفرق، بالمجالس والصناديق،
والمعارضة قديمها والمستحدث، الجاهز والمفصل بالطلب،
الطامحون الى وراثة الحكم القائم، والخارجون او المخرجون منه،
كلهم يقولون، تقريباً، ويرددون الكلمات ذاتها عن ضرورة الاصلاح فتكون النتيجة ان الفساد يتورم وينتفخ حتى يكاد يغطي السماء!
***
فسد، يفسد فهو فاسد،
أفسد، يفسد فهو مفسد،
من المسؤول عن ماذا؟ من أفسد من؟!
من يحمي من؟! هل يحمي الفاسدون المفسدين، أم يحمي المفسدون الفاسدين؟! ام يتناوبون الدعم فتضيع طاسة الاصلاح ولا يبقى الا اللغو والتمنيات الكسيحة واسطورة رأفت سليمان؟
***
المهم ان البيان الوزاري للحكومة الجديدة يجيء، وسط هذا الجو، متضمناً الكثير من عناوين المطالب التي تلهج بها المعارضات المختلفة وتكاد تتخذ منها ارض لقاء يضم الى الرغيف الحرية.
وهذه نعمة من عند الله، عز وجل، فالمعارضة تقول كلاماً يصير بياناً للحكومة المشكو منها، والحكومة ترد الجميل فتطلق وعوداً تصير مطالب للمعارضة المتهمة بقصورها عن التعبير عن هموم الناس.
اذن لدينا حكومة تتكامل مع المعارضة في الشعار الاساسي المعلن: الحرب على الفساد!
هي فرصة اذن للفرز وامتحان القوى لنستوثق: هل تراه الفساد اقوى من الحكم والمعارضة معاً ولماذا؟!
أم انها قلة كفاءة او قلة بلاغة في خطاب المعارضة، في مواجهة كفاءة متميزة وبلاغة باهرة في خطاب الحكومة، وكلاهما قاصر عن الفعل؟!
كلما هددوا الفساد زاد قوة،
وكلما تحدثوا عن التطهير تضاءلت امكانات تحقيقه،
وبقدر ما تتفاصح التعابير المتحدثة عن الاصلاح الاداري تقصر الهمة عن انجازه!
لكأن رأفت سليمان، المجهول المصير بعد، اقوى من الحكم، بمؤسساته جميعاً، والمعارضات باركانها المتعددين والمنتشرين في الداخل والخارج،
للمناسبة: طالما ان المال المنهوب قد ظهر، والحكومة ممثلة بشخص سنيورها قد خرقت المستحيل وحققت المعجزة فاستعادت آخر ليرة (؟!!) كان المحاسبون قد غفلوا عن تسجيلها، فكيف لا نعثر على ذلك الموظف الكفؤ والذي استطاع على امتداد سنوات ان يستغفل الوزارة والوزير، المحاسب والمدير، اجهزة الرقابة والخبير؟!
كيف يعثرون على ما يسهل صرفه واخفاؤه ويعجزون عن اظهار ما يصعب اخفاؤه او تصريفه الا بالتواطؤ او بالتستر؟!
ام ان للفساد ملائكة من عسل؟!
***
وكلمة جادة اخيرة:
لعل افضل ما في مشروع البيان الوزاري للحكومة الجديدة انه مركز ومكثف لا يستفيض في شرح المعلوم ولا يعد باستنزال النجوم.
ولعل آخر صياغة لمطالب المعارضين والمعترضين قد جاءت رصينة ومسؤولة وابتعدت نسبياً عن المطالبات التعجيزية ورفع الشعارات المستحيل تحقيقها حتى في السويد.
انها اللحظة المناسبة، ربما، لبدء حوار وطني جاد ومسؤول لمحاولة البحث عن حلول عملية للمشكلات العملية، بالتعاون بين الجميع، خصوصاً وان احداً لا يملك حلاً سحرياً.
لقد تكشفت الحقائق: لا احد يغني عن الاخرين، ولا احد بديل من الاخرين جميعاً.
وخفت النبرة الشخصية في الحكم والمعارضة،
فالكل تحت سقف العجز، حتى لا نقول الفساد،
فهل يمكن ان يتذكر هؤلاء مجتمعين: الناس، المواطنين، الرعايا وهمومهم الثقيلة، فيعملون لمعالجتها بدلا من الاكتفاء بتوصيفها؟!
… خصوصاً وان ليس بين المطالبين او المطالبين بريء من دم هذا الصدِّيق الذي اسمه… لبنان؟!

Exit mobile version