طلال سلمان

بوش شارون = طالبان بن لادن

تكاد العلاقة بين إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش وبين أرييل شارون في إسرائيل تماثل تلك العلاقة الفريدة في بابها والتي كانت قائمة بين »حكومة طالبان« في أفغانستان وبين أسامة بن لادن: له القرار وعليها تحمّل النتائج!
كانت الحاجة إلى المال وإلى الشبكة العالمية للعلاقات والنفوذ الخارق للحصار تعطي بن لادن موقع »المرجع« أو »المقرّر«، فضلاً عن أنه كان أعرف بالدين والدنيا من أولئك الفتية الأغرار الذين لما يكملوا تعليمهم الديني والذين لم تكن لهم معرفة ولو محدودة بشؤون الدنيا من حولهم وشجونها السياسية المعقدة.
.. وها هي »حاجة« جورج بوش إلى الأصوات الانتخابية خصوصاً وإلى أهل النفوذ والمال وشبكات الضغط وبينها كبريات الشركات، والتروستات الاحتكارية داخل أميركا وخارجها، عموماً، وغياب »الوجود« العربي الفاعل، تجعل هذا الرئيس الأميركي الأمي والمتعاظم بقوته العسكرية يتكلم، مع العرب عموماً والفلسطينيين تحديداً، بمنطق إسرائيلي ويتبنى شروط شارون فيفرضها على ياسر عرفات المحاصَر والمستضعَف والمستهدفة »سلطته« برمزيتها وباعتبارها »الرابط« السياسي بين أشتات الفلسطينيين المعزول بعضهم عن البعض الآخر في »الداخل«، والمعزولين بمجموعهم عن »الخارج«، والذين عزل العرب أنفسهم عنهم وتركوهم بذرائع وأعذار متعددة بينها الصحيح وبينها ما هو »حق أريد به باطل«.
ولعل بين ما أغرى إدارة جورج بوش ودفعها إلى تبني منطق شارون تبعثر العرب وغرقهم في دوامة الذعر من »أمير الانتقام« الأميركي، وانسحاقهم تحت ثقل الشعور بانعدام القيمة والتأثير، ومبالغتهم في الإحساس بالذنب ازاء تفجيرات 11 أيلول، وقبولهم بالمنطق الذي يحمّلهم بعضاً من المسؤولية عن »طالبان« وعن عمليات أسامة بن لادن التي لم يكونوا يعرفون عنها شيئاً، وصورتهم المروّجة عالمياً الآن باعتبارهم مصدر »الإرهاب« وبطله الوحيد!
في الواقع كان العرب قد فقدوا قدرتهم على التأثير من قبل 11 أيلول، وبمعزل عمّا نُسب إلى حكومة طالبان وما اتهم به أسامة بن لادن.
وبقدرٍ ما فإن تعاظم مد التطرف في إسرائيل الذي تحكَّم في تسمية قياداتها خلال السنوات الأخيرة، والذي بلغ ذروته مع تنصيب شارون على رأس حكومتها، هو الوجه الآخر لانعدام التأثير العربي، ومعه انساق بعضهم إلى الاستسلام (بغير طلب) ودخل بعضهم قوقعة الانعزال طلباً للسلامة، في حين بات المطالِب بالحد الأدنى من الحقوق مُداناً بالتصلب والتطرف ومهدداً بتسجيل اسمه على قائمة رعاة الإرهاب!
بين النتائج المنطقية أن يعجز المسؤولون العرب عن الاجتماع على أي مستوى، وأن يفتضح أمر عجزهم عن اتخاذ أي قرار، فيصير طبيعياً أن تقرر لهم واشنطن جورج بوش ما يقرّره أرييل شارون في تل أبيب.
والقرار الإسرائيلي الذي تشرف الإدارة الأميركية على تنفيذه الآن هو تحويل حقوق الفلسطينيين في أرضهم (وصولاً إلى إقامة دولتهم فوقها) من قضية سياسية من الدرجة الأولى، على مستوى العالم وبتأييد شبه إجماعي من دوله، إلى مشكلة أمنية إسرائيلية عنوانها »الإرهاب« وقتل المدنيين الأبرياء، تحلها قوات »جيش الدفاع« معززة بجيش المستوطنين، في حين تكلف شرطة السلطة الفلسطينية بدور الأدلاء والمخبرين، مقنَّعين أو بغير قناع، المكلفين بالإرشاد إلى »الإرهابيين« لضرب شبكاتهم (المجاهدة) وتفكيكها.
لقد تقبّل جورج بوش منطق أرييل شارون ففرض على ياسر عرفات الخيار المر: أن يقبل وصفه بأنه »بن لادن إسرائيل« أو أن يتحول مع شرطته إلى ما يشبه »تحالف الشمال« في أفغانستان فيوفر الواجهة والغطاء للجيش الإسرائيلي وهو يطارد بالقتل والاغتيال والاعتقال المجاهدين الأبرار الذين عندما افتقدوا السلاح لم يجدوا إلا دماءهم يفجرونها في محتليهم.
ومرة أخرى قد يجد عرفات عذراً للتورط في ما لا يمكن تبريره في الوضع العربي: فالنجدة بالسلاح مستحيلة، والمدد بالرجال غير مطلوب، والمساعدة بتوفير القدرة على الصمود شحيحة، بل معيبة… ثم إنها بعد اليوم قد تتوقف إلا إذا تعهد عرفات بتحويل شرطته إلى »رديف محلي« لقوات الاحتلال الإسرائيلي في مطاردة »الإرهابيين« من قتلة »الأبرياء« في مستوطناتهم المسالمة!
ربما لهذا قد يكون من الأفضل لفلسطين وشعبها، كما لكرامة الأمة العربية، ألا ينعقد أي اجتماع للمسؤولين العرب على أي مستوى، ليس لأن الاجتماع قد يفضح العجز العربي المطلق بل لأنه قد يبرر ويفذلك ويزيّن التنازل الجديد عن القضية السياسية، ويشرعن أو يقر بتحول الفلسطينيين بحقوقهم وطموحاتهم الى نوع من الإرهاب يمارس ضد إسرائيل، بما يفرض على الجميع بمن فيهم العرب، تحت الراية الأميركية مساعدتها في القضاء عليه تمثلاً بالتجربة الأميركية الناجحة مع طالبان وبن لادن في أفغانستان!

Exit mobile version