طلال سلمان

»بهية« والرسالة…

من قلب الجرح ولدت: بهية بالحزن الذي له ملامح وطن، بإرادة مقاومة الخطأ الذي يستولد الموت، بزخم الإصرار على طلب الحياة في قلب الحقيقة.
وقفت بهية الحريري أمس فاستحضرت مجلس النواب الذي احترف الغياب، وغيّبت الحكومة التي لم تستطع منذ ولادتها أن تؤكد حضورها.
وقفت قوية بالناس الذين شعروا وأشعروها أنهم خسروا معها »الأخ الأكبر«، وقالت كلمة الناس: لا غل ولا حقد ولا ضغينة. فالشهيد أكبر وأعظم من يتصاغر ليكون خصماً للقتلة والسفاحين.
لم تغفر، ولكنها اتخذت مع الناس الشهيد وطناً ورسالة. نقلته من الحلم الذي تقصف وهو في عز بهائه لتجعله صورة للغد كما غزلته أمنياته التي حاول أن يبنيها حجراً حجراً، بيتاً بيتاً، ليصير مفخرة الأمة.
لم تضعفها الفاجعة التي تجاوزت، ومنذ اللحظة الأولى، الأسرة الصغيرة إلى العائلة الكبيرة، إلى الشعب كله، إلى الأمة كلها، بل هي وضعتها أمام مسؤولياتها التي لا مجال معها إلى الاعتكاف في قلب الوجع أو إلى الاستقالة من الدور الوطني القومي الإنساني الذي لا بد من محاولة إكماله.
لا روح ثأر جاهلية، ولا مراثي الخنساء، بل تجديد لعهد الرجل الذي يمنع عليه كِبَره الغياب.
لا انكسار ولا انسحاق تحت وطأة الإحساس بالفقد، وقد أشعرها الملايين أنهم شركاؤها في المصاب، وشركاؤها أيضاً في المطالبة بالحساب عن القصور والتقصير، كما عن التخطيط والتنفيذ، كما عن المضي قدماً في تحقيق الرسالة وقد حملوا الرسول في ضمائرهم كما في إراداتهم وفي إصرارهم على بناء غد أفضل.
كانت روح الشهيد تظلل الأفق، وتملأ عين الشمس، تطل من عليائها متجاوزة الحدود والسدود، على جميع الناس فتصالحهم مع مصالح الوطن والأمة.
ولقد نجحت بهية الحريري في حمل رسالة شقيقها الذي غدا الآن فرداً في كل أسرة في لبنان، وفي تجديد الالتزام بإتمام ما كان بدأه وباشره وقطع على طريقه أشواطاً واسعة.
»بهية« التي نطقت باسم الوطن أمس، لم ينسها الغضب عروبتها فاعتصمت بها كما كان يعتصم بها الشهيد الذي لم يخرج من عروبته وعليها لا خلال حياته ولا بعد استشهاده.

Exit mobile version