طلال سلمان

<شبكة امان> بنان بعد حرب اسرائيلية لا قبلها

تُنسج من حول لبنان، حالياً، شبكة أمان طالما تمنى أن يحظى بمثلها على امتداد تاريخ الحروب الإسرائيلية عليه، وآخرها التي بالكاد توقفت قبل أيام بالقرار السمين لمجلس الأمن الدولي .1701
فلقد تدفقت العروض الدولية، الأميركية أساساً، والعربية بالتبعية، لتزويد الجيش اللبناني بكميات من الأسلحة والمعدات طالما تمنى الحصول على بعضها، وطالما سعى بطلبها فلم يلق إلا الصد، إما بذريعة أنه بلد غير محارب، وتكفيه العلاقات العامة والإعلام والحركة النشطة لرجال الاقتصاد والمصارف فيه، وإما لأن سوريا في حقبة وجودها العسكري فيه تتولى عنه مهام الحرب والسلم.
فجأة، وعشية الحرب الإسرائيلية على لبنان، ومع تعاظم نفوذ حزب الله داخلياً وعربياً بشعارات المقاومة من أجل تحرير المحتل من الأرض، بدأت تتوالى العروض لتسليح الجيش وإعادة تأهيله وتحديثه.. وكان قد سبق ذلك تعهّد بإعادة بناء قوى الأمن الداخلي جميعاً، بما في ذلك الشرطة البلدية والدفاع المدني!
انهمرت الدعوات الأميركية، وسافرت بعثات عدة، وقدمت لوائح بالطلبات كي تُدرس وتُلبّى… ثم جرى الحديث عن عروض من دول أخرى، مباشرة أو بتكليف من الإدارة الأميركية.
ها نحن الآن أمام عروض عربية وتعهدات تصل قيمتها إلى خمسمئة مليون دولار، كما يقال، لتسليح الجيش.. والتسليح هنا يعني إعادة التأهيل وإعادة النظر في العقيدة القتالية، فلكل سلاح عقيدته، وهي تشمل في ما تشمل تحديد العدو والمصدر المحتمل للعدوان إلخ…
ومع الترحيب بهذه المبادرات العربية المتأخرة جداً عن مواعيدها الأصلية، ومع الشكر سلفاً على هذا الكرم وهذا الحرص على تعزيز القوات المسلحة في لبنان، مع صدور القرار الدولي 1701 ومن ضمنه وقف الأعمال العدوانية ، وبدء وصول قوات اليونيفيل الجديدة و المجدّدة بهويات جنودها ودورها، إلى
جانب الجيش، فلا بد من بعض الأسئلة والتساؤلات التي فتح هذا الاحتضان الدولي العربي للبنان الباب واسعاً لطرحها:
? لماذا الآن وليس قبل؟ وتحديداً عندما كانت للبنان أرض محتلة، وكان يعاني من عجز فاضح في قواته العسكرية ما جعل ضرورة الصمود وإرادة التحرير تستولدان حزب الله وتعطيانه المدى مفتوحاً وتجعلانه معقد آمال الناس في استعادة الأرض وتحرير الإرادة؟!
? هل يراها الإخوة الأسخياء، بعيون من طلب إليهم هذا التبرع السخي، وهل يريدونها فعلاً آخر الحروب ؟
? هل يرونها، بقراءتهم لنتائجها، السياسية قبل الميدانية، والدولية قبل العربية وقبل المحلية بطبيعة الحال، أنها نهاية لمرحلة وبداية لمرحلة جديدة يستحيل معها الحديث عن التحرير بالسلاح ويصير فيها المطلب الأعز الحفاظ على الستاتيكو المحروس جيداً بالقوات الدولية… (التي تتبدى مهمتها الآن أكثر وضوحاً كأنها تقفل آخر باب كان يحتمل أن تهب عبره رياح المقاومة بالسلاح للاحتلال الإسرائيلي.. فتساوت الآن، أو هي ستتساوى في هدوئها المحروس جيداً مع الجولان المحتل، حيث قوات مشابهة ترعى فك الاشتباك منذ العام ,1974 وإن تميزت عنها سيناء الحدود المصرية بقوات دولية ولكنها لا تستظل علم الأمم المتحدة منذ معاهدة الصلح الشهيرة في العام .1979 أما أردن وادي عربة، فيا دار ما دخلك شر، وهو مصالح ولا يحتاج الى من يحرس له الصلح الذي طلبه وألحّ عليه فأعطي له، ودائماً على حساب فلسطين).
? هل هذه الحماسة لتسليح لبنان وتعزيز أجهزته الأمنية لحبس النموذج الذي كان قد بدأ ينتشر بالصوت والصورة عابراً الحدود إلى الأقطار العربية، قريبها والبعيد، محرضاً على التحرير وعلى المواجهة لاستنقاذ كرامة الأرض وإنسانها وحقه في مستقبل يقرّره بنفسه ولا يقرّر له في العواصم البعيدة أو بقهر الاحتلال؟!
وتبقى نقطة جديرة بالاهتمام وتتصل بهذا التشدد المريب في ضبط الحدود اللبنانية السورية بآلاف الجنود وعشرات الأبراج المنتشرة على امتداد السياج الذي سيقام بالأسلاك الشائكة بين البلدين اللذين يُراد لهما أن يعيشا حالة عداء دائمة تتجاوز مدى الخلافات السياسية وأبعادها..
ما يثير السخرية القول إن كل هذه الحراسات المسلحة للحدود إنما تستهدف منع تهريب السلاح إلى المقاومة في لبنان… كأنما المقاومة، أية مقاومة في الدنيا، تذهب إلى أسواق السلاح في الدنيا فتشتري حاجتها منه علناً وتدخله علناً وبترخيص ممهور بالأختام الرسمية.
أما ما يلفت الانتباه، في هذه اللحظة، فهو العرض السخي الذي تقدم به رئيس حكومة الحرب الإسرائيلية إلى لبنان لتوقيع اتفاق سلام .
ولك أن تضع هذا العرض في أي موقع تشاء من السور الحديدي الذي يقام من حول لبنان، بقرار يتجاوز رغبات الراغبين في لبنان وقدراتهم، كما يتجاوز مفاعيل القرار 1701 إلا إذا قرئ بنصه الأصلي… وهو بالقطع لم يُكتب في بيروت ولا هو كُتب باللغة العربية أصلاً.

Exit mobile version