طلال سلمان

بلديات اولا ثم سكود

لم يتوقف المخلوق اللبناني المفطور على التحدي، كما تشهد أزجاله الخالدة، أمام حكاية صواريخ سكود الروسية المهرّبة على أجنحة الحمام الزاجل، عبر الحدود السورية، إلى مواقع مجاهدي المقاومة في الجبال المنيعة التي تلامس السماء أو في منحنيات الوديان العميقة التي لا تبلغها الشمس إلا تسللاً.
الانتخابات البلدية هي الأهم والأخطر، فهي ميدان التنافس والتزاحم على المواقع ذات الوجاهة، وفيها سيتمكن كل طرف من أن يحقق النصر المبين على خصومه، بل «أعدائه» الداخليين، وعدو الداخل أخطر بما لا يقاس، كما تعلمون، من عدو الخارج!
صحيح أن النتائج الفعلية لمعظم البلديات، جنوباً وشرقاً وشمالاً إضافة إلى العاصمة، «محسومة» بغير حروب، لكن الحسم المسبق، لأسباب لا علاقة لها بالانتخابات كفعل ديموقراطي، لا يلغي الفرصة للتباهي على «الخصوم» ولو كانوا إخوة أشقاء، أو على «الرفاق» في التنظيم الواحد الذي تسقطه «النكاية» بالضربة القاضية.
من زمان أُلغيت الانتخابات في البلد الذي إذا انخرط رعاياه في حزب الديموقراطية تفجّرت الحرب الأهلية فيه، بغير سابق إنذار!
في ماضي ما قبل الحرب الأهلية كانت «الكلمة» لزعماء الإقطاع السياسي والوجاهات المحلية المعززة بالأرصدة الذهبية، ونادراً ما كان يخترق اللوائح المصفحة «وجه جديد» يشكل وعداً مبهماً بتغيير ما في المستقبل.
أما في الماضي القريب والحاضر العجيب (والمستقبل المريب)، فقد تماهت الديموقراطية في الطائفية، بحيث غدت ممسوخة ومشوّهة ينكرها «أهلها» ويتباهى خصومها بانتصارهم «الرخيص» عليها: ماذا أن يكون لبنان قد خسر جيلاً أو جيلين في حروب أهلية متباينة الأغراض، متناقضة الأهداف، يتبادل أبطالها «الجبهات» في سهولة ويسر ومن دون أن ترمش العيون أو تصدر عن أحد منهم كلمة ندم… فضلاً عن الاعتذار من الضحايا! المهم أن الديموقراطية التوافقية (وهو التعبير المهذب عن التقاسم الطوائفي) قد انتصرت، وها هي راياتها وصور أبطالها تملأ الجدران في العاصمة وسائر المدن، وصولاً إلى الأرياف الهاجعة في بؤسها الأبدي!
هي معارك وهمية، في الغالب الأعم، بين ذوي قربى أو متشابهين أو محازبين للاتجاه الواحد، لا فرق بين السابق والمتقدم ليكون لاحقاً إلا في لون العينين أو طول السبحة أو أعداد القبيلة..
أما إسرائيل فلها مَن يهتم بتهديداتها التي لم تعد ترتعد منها الفرائص ذعراً، وبالتالي فإن البلدية هي الأولى بالاهتمام، ففيها المنافع والمصالح بدءاً بالزفت مروراً بمخصصات الصندوق البلدي، وفيها التلزيمات فضلاً عن الوجاهة والتباهي بالفوز حتى على الأخ الشقيق!
نادرة هي البلديات التي يمكن التوقف أمام ما أنجزت، إما للوثة عند رئيسها تجعله يعطي من وقته واهتمامه، وأحياناً من ماله، كي ينهض بمدينته أو بلدته أو قريته.. وإما لأسباب قدرية خارجة على التوصيف.
ومن أسف أن تجارب البلديات التي تلطت رئاستها خلف «الأحزاب» لم تكن أنجح من تلك التي كانت تتصدّرها الوجاهات العائلية… بل ان كثيراً من هذه الوجاهات قد بدّلت جلدها بحسب «الموضة» السائدة، واستعارت لسان الأحزاب وشعاراتها وبعض طقوسها ذات الشميم الديني أو المذهبي.
… ثم ماذا أن يكون بعض المسؤولين الأميركيين الكبار قد انضموا إلى القادة الإسرائيليين في التأكيد أنهم قد رأوا بالعين المجردة قوافل صواريخ سكود الروسية تعبر الحدود السورية إلى قواعد المقاومة في لبنان؟!
وماذا أن يكون كبار المسؤولين الفرنسيين قد حذروا لبنان، فضلاً عن سوريا، من «مغامرة» عسكرية قد تقدم عليها إسرائيل لتنفذ وعيدها بأن «تعيد سوريا إلى العصر الحجري»؟!
إن البلديات أهم وأخطر، وفيها وبها وعبرها يمكن الرد على العدو الإسرائيلي الذي يعرف أن كل بلدية أقوى برئيسها وأعضائها الميامين من أسلحة الدمار الشامل، بما فيها مخزون القنابل النووية في ديمونا.
وليطمئن الجميع: إن المخلوق اللبناني سيكون قادراً على إنجاز حروبه ضد الأهل في الانتخابات البلدية، وبالتزامن معها سيواجه الاعتداء الإسرائيلي الذي يقصد منه التخريب على الديموقراطية اللبنانية الفريدة في بابها، والتي تجعل من المنافس البلدي «عدواً» أين منه إسرائيل النووية!
وهيا بنا نلعب… في زمن الفراغ من الديموقراطية!

Exit mobile version