طلال سلمان

بعيدا عن مناعات كلامية

أحيانا يحتاج »الحدث« الى مسافة عنه.. دراماتيكيا وواضحا كالمشهد العراقي، أو شقيا وغامضا كالمشهد الفلسطيني..
مسافة الى »الفضاء« العربي الذي يتلقاه.. او الى الفضاء الطلق لما يحدث في العالم..
بعض المقارنة »البعيدة« عن الحدث.. في محاولة للنفاذ فيه:
من أفضل التعليقات التي قيلت في أوروبا بعد إقرار معاهدة ماستريخت وبدء سبع دول من الاتحاد الأوروبي تطبيق العبور الحر من دون جوازات سفر على حدودها، ذلك التعليق البريطاني القائل:
»الحدود تزول.. والجدارات ترتفع!«.
.. بمعايير ما آلت إليه الأوضاع العربية من جدارات، كان بالامكان اعتبار أوروبا الغربية منطقة »موحدة« اقتصاديا وأمنيا قبل معاهدة ماستريخت ثم اتفاق شنغن.. أما بعدهما وبالمعايير العربية نفسها فأوروبا الغربية تكاد تصبح في وحدة »اندماجية« بسبب أنظمة التسهيلات المتزايدة على العديد من المستويات الاقتصادية والخدماتية والأمنية بين بلدانها..
شكوى بعض التيارات »الانسانية« النزعة في أوروبا هي أن »العائلة« تنفتح على نفسها فتزيل الحدود وتنغلق على العالم الثالث وأوروبا الوسطى والشرقية.. فترتفع الجدارات.
في عالمنا العربي.. الجدارات الى مزيد من الارتفاع.. أحيانا داخل الدول نفسها، اما الجدارات الايديولوجية أو السياسية أو الأمنية أو الأهم في السنوات الأخيرة.. الاجتماعية منها.
فسقوط تجارب التنمية.. عنوانه الأول اتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء.. حتى داخل دول كانت تعتبر بمعايير الثروة النفطية، دولا غنية. فضلا عن اتساع الهوة بين الدول نفسها.
وسقوط الشرعية الايديولوجية، يترجم نفسه بعراء ديكتاتوري، أدى في الحالة العراقية، الى انهيار البلد.. وبقاء النظام وحده.. بل بقاء »القصر« وحده شامخا على.. الأنقاض.
لم تبنِ التجربة العربية الحديثة نظاما عقلانيا للخلافات الثنائية.. والجماعية بين دولها، ربما يكمن فشل الجامعة العربية هنا، لا في »المثل الأعلى« الذي يضعه أمامهم الحالمون العرب المحبطون: وهو تعزيز مؤسسات التفاعل..
فالوقائع العربية، هي وقائع حدود مغلقة هنا، متوترة هناك، ميتة هنالك.. وعندما تتحرك حيوية هذه الحدود، فهي إما لاستقبال مطرودين أو لاجئين (بعشرات الألوف أحيانا).. في ظل غياب حرية انتقال الأفراد بدون قيود والرساميل.. وطبعا »الأفكار« أكثر الممنوعات ممنوعية في معظم الحدود العربية. متى شاءت »الأقدار« ان يحمل المشروع الشرق أوسطي إغراء رئيسيا للعرب: هو وعده في »السلام« بجنة الانتقال الحر للأفراد والأفكار.. وطبعا الرساميل! فمن يقاوم في هكذا وضع بلا مناعات من النوع الكلامي الرائج؟!

Exit mobile version