طلال سلمان

بعد نصر وقبل خطاب <السيد>

يعرف السيد حسن نصر الله، بالتأكيد، أن إطلالته اليوم للاحتفال ب النصر الإلهي على الحرب الإسرائيلية، مختلفة بظروفها ودلالاتها ودائرة تأثيرها عمّا سبقها من إطلالات على امتداد سنوات الجهاد الطويلة من أجل تحرير الأرض والإرادة.
لقد تجاوز السيد حسن نصر الله ذاته، وتجاوز حزب الله حدود صورته اللبنانية، فبات السيد قائداً عربياً (وإسلامياً) تنزله جماهير الأمة من قلوبها منزلة الأبطال التاريخيين، بعدما تسامى في نظرها إلى مستوى يداني الرمز..
ثم إن لبنان هو غير لبنان الذي كان قبل 12 تموز، بل لعله قد فاجأ العالم كله، ليس فقط بصلابة مقاومته وبسالة مجاهديه، بل أساساً بروح الأخوة التي تجلّت باهرة في توحّد شعبه كله لمواجهة حرب تدمير الإنسان والعمران، وكذلك بتماسك حكومته المؤتلفة على اختلاف والتي تعرضت لضغوط ثقيلة من خارجها ومن داخلها لكي تتنكّر للمقاومة وتتنصّل منها فلم تصدع للأمر الأميركي السامي وإن كانت قد أبعدت نفسها عن تبنّي المقاومة لكي توسّع لنفسها هامش التحرك الدولي، كما قدّرت وفعلت.
.. وليست إسرائيل هي إسرائيل التي كانت منذ 1948 مروراً بحرب 1967 ثم بحرب 1973 ثم باجتياح ,1982 فاجتياح 1993 واجتياح …1996 وها هي قياداتها السياسية والعسكرية تتبادل الاتهامات عن مسؤولية الفشل، لا حاضرها استقرار ولا مستقبلها ازدهار ولا جيشها القوة العظمى التي لا تقهر، فدبابات الميركافا تحترق وجنودها فيها و قوات النخبة رجعت من مارون الراس وبنت جبيل وعيتا الشعب وسائر القرى والدساكر تجر أذيال الخيبة، بينما دولتها توفر المأوى لمليون مهجر من شمال فلسطين المحتلة إلى جنوبها..
يعرف السيد ، إذاً، أن إسرائيل تجرّب، لأول مرة، القلق على المصير، لأنها الحرب الأولى التي تخوضها فلا تربحها في غضون ساعات أو أيام… ويعرف أن عدوى الانتصار بالمقاومة ستفعل فعلها في فلسطين، حيث تنظّم إسرائيل مشروعاً لحرب أهلية تحت راية الصراع على سلطة بائسة لا تملك من أمرها شيئاً. كذلك فإن جدوى الانتصار بالمقاومة ستفعل فعلها في العراق حيث ينظّم الاحتلال الأميركي فتنة عمياء، يقتتل فيها العرب، سنّة وشيعة، على أشلاء عراقهم الذي انشق عنه كرده فانفصلوا بكثير من خيراته عن أهلهم .
يعرف السيد حسن نصر الله أن الانتصار هو مرة أخرى لكل اللبنانيين، وليس انتصار حزب ولا حركة ولا تنظيم. وأنه ليس انتصار طائفة وانهزام طائفة.. وأن هذه المقاومة كانت وستبقى قوة للوطن ، كما قال في يوم النصر (26 أيار 2000) في بنت جبيل.
ويعرف السيد بالمقابل أن الساعين بالفتنة من أعداء لبنان الوطن والدولة، يحاولون تشويه الانتصار، بنسبته إلى طائفة بالذات لاتهامها، من ثم بالخروج على الوطن ودولته، بل ويصلون إلى حد اتهام حزب الله بأنه يصادر الطائفة وقرارها، ويحرّضون عليه وعليها باتهامهما معاً في وطنيتهما، ويسعون بالتحريض لإحداث شقاق خطير لا يخدم إلا المشروع الأميركي الإسرائيلي للشرق الأوسط الكبير..
وبالتالي فإن السيد يعرف، بالتأكيد، أن اللبنانيين يعيشون في قلق عظيم على حاضرهم ومستقبلهم، خصوصاً وهم يرون أن لبنان بات رهينة قرار دولي يتضح ساعة بعد ساعة أنه كان معداً منذ زمن بعيد، وأن الحرب الإسرائيلية، المقررة أصلاً وإن بتوقيت مغاير، كانت الموعد لاعتماده، ومن ثم لاستصدار القرار ,1701 بكل موجباته السياسية والعسكرية التي تجعل من لبنان جزيرة معزولة عن محيطها، تعسكر فيها قوات أممية متعددة الجنسية، أكثر مما تستدعي الحاجة لحماية لبنان ودولته..
أُعلن في يوم النصر، أننا في حزب الله لسنا في وارد أن نكون بديلاً من الدولة. لسنا سلطة أمنية ولن نكون سلطة أمنية. لسنا مرجعية أمنية ولن نكون مرجعية أمنية. الدولة هي المسؤولة.. من خطاب بنت جبيل .
لكن العديد من السياسيين المحترفين المرضى بالغرض والمطمئنين للرعاية الدولية الأميركية أساساً يتعامون عن الصمود العظيم، وينكرون التضحيات الجليلة، لكي يستطيعوا أن يخادعوا الناس بتصوير النصر هزيمة، والأخطر أنهم يحاولون مخادعة الناس بالقول إن القوة الدولية إنما جاءت لتحميهم من سلاح حزب الله … ولو أن عندهم من الجرأة على الحقيقة والناس لطالبوا بمحاسبة السيد حسن نصر الله ورفاقه في قيادة حزب الله مرتين: مرة على هزيمتهم ، ومرة على سلاحهم الذي حرم إسرائيل من تحقيق نصر حاسم خلال ساعات، كما تعوّدت في حروبها السابقة!
? ? ?
يعرف السيد حسن نصر الله، بالتأكيد، أن اللبنانيين عموماً في قلق عظيم.. فليس أكثر من الساعين بينهم بالفتنة، يحرّضون ضد المقاومة، ويخيفون الطوائف بالطائفة ذات الصواريخ، ويصوّرون حزب الله مجرّد أداة في أيدي سوريا وإيران، لمزيد من التحريض الطائفي المغلف بالسياسي.
ويعرف السيد بالتأكيد أن اللبنانيين يخافون على وحدتهم،
ومن ثم على دولتهم… وما أكثر ما يخيف في الداخل والخارج، مع إسرائيل وبعدها، وقبل الإدارة الأميركية وبعد قرار مجلس الأمن الدولي.
ومؤكد أن اللبنانيين لم ينتظروا أحداً في موعد بهذه الخطورة، ولم ينتظروا خطاباً لقائد سياسي، بمثل التلهّف الذي ينتظرون به خطاب السيد حسن نصر الله، اليوم: إنه الكلمة الفصل التي قد تهدّئ قلقهم فتطمئنهم إلى غدهم، إلى وحدتهم، إلى دولتهم، وبالتالي إلى اليقين في أن لبنان سيعمّر من جديد ما هدمته الحرب الإسرائيلية فيه، وأنه سيكون وطناً يستحق أن يبقى أبناؤه فيه ليكتبوا غده باعتزاز المنتصرين.
إن ملايين الملايين من العرب (والمسلمين) سينصتون اليوم إلى خطاب السيد كما لم ينصتوا، في أي يوم، لخطب ملوكهم ورؤسائهم والأمراء… لأنهم يعرفون أنه لن يقول إلا الصدق، وأنه إن قال وفى، وأنه مسؤول عن حماية شرف الانتصار بوحدة الشعب في لبنان وتوطيد أركان دولته، وأنه سيطفئ بؤر الخوف من الفتنة بتسفيه دعاتها والمحرضين عليها..
علينا أن نثبت أننا لائقون بالنصر . قال السيد . وإذا قال السيد صدّقه الناس جميعاً… أليس هو من تعهّد ويجدّد الآن التعهّد بأن نحفظ مقاومتنا، ونحفظ جيشنا، ونحفظ دولتنا ونحفظ وحدتنا الوطنية ؟.

Exit mobile version