طلال سلمان

بعد مجازر طوال 4 أشهر: نتنياهو يحرر مخطوفين!

غزة ـ حلمي موسى

كانت ليلة اليوم التاسع والعشرين بعد المئة، ليلة طويلة بشدتها وحلكتها وقسوتها، لكنها مرت أيضا كباقي الليالي. وأملنا بالنصر وانكسار العدوان لا يتزعزع.

***

بعد أنباء كثيرة عن التوتر القائم بين الإدارة الأميركية وبين حكومة العدو، والكلام عن قطيعة بين الرئيس الأميركي جو بايدن وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووسط تصريحات رسمية أميركية إلى جانب تسريبات مثيرة للخلاف بين الطرفين، تحادث بايدن هاتفيا مع نتنياهو ليلة أمس لمدة 45 دقيقة، في خطوة سبقت الهجوم الليلي على رفح.

وبحسب ما صدر رسميا عن الطرفين، تمحور الحديث حول الحرب في غزة، وخصوصا تهديدات نتنياهو وقيادة جيشه باستهداف رفح ومحيطها من أجل تدمير “كتائب حماس”، وإعادة السيطرة على محور فيلادلفي، بل وحتّى “تطهير المنطقة” من المخاطر.

وأعلن البيت الأبيض إن بايدن اكتفى بحثّ نتنياهو على عدم شنّ عملية عسكرية برية في رفح جنوبي قطاع غزة “من دون خطة تتمتع بالمصداقية وقابلة للتنفيذ لحماية المدنيين، وضمان الأمن والدعم لأكثر من مليون شخص لجأوا إلى المنطقة”.

أي أنّ إدارة بايدن، وكعادتها، لم تبد أي اعتراض على استهداف رفح، وإنما شددت على وجوب “التقيد بالقانون الدولي” و”تجنب المس بالمدنيين”. ومن تجربة العدوان بكل مجازره، كان ذلك هو على الدوام موقف واشنطن الذي لم يمنع أبدا استمرار جرائم الحرب الإسرائيلية وتعاظمها، والتي رفضت الولايات المتحدة علنا اعتبارها جزء من مخطط إبادة جماعية.

وكان لافتا أن بيان البيت الأبيض بعد المكالمة أشار إلى أنه “في مكالمته مع نتنياهو، أكد الرئيس بايدن هدفنا المشترك المتمثل في رؤية هزيمة “حماس” وضمان أمن إسرائيل ومواطنيها على المدى الطويل”. وناقش الرئيس ورئيس الوزراء الجهود القائمة حاليا” لضمان إطلاق سراح جميع المختطفين المتبقين لدى حماس.

ويعتبر هذا الإعلان بمثابة ضوء أخضر منحه بايدن لتنفيذ العملية العسكرية على رفح الليل الماضية، والتي أسفرت عن استشهاد 67 مدنيا في حصيلة أوليّة، و”تحرير” مخطوفين إسرائيليين هما، بحسب ما أعلن الناطق باسم جيش الاحتلال، فرناندو سيمون مرمان (60) و‏لويس هير (70)، ‏الذيْن تم اختطافهما في السابع من أكتوبر.

وقالت وسائل إعلام إسرائيلية أن عملية جيش العدو في رفح استمرت نحو ساعة كاملة، وأن عملية تحرير الأسرى من رفح كان مخططًا لها منذ أيام، وتم تنفيذها الليلة. مشيرة إلى أن نتنياهو أبلغ بايدن خلال مكالمتهما الهاتفية بالعملية.

إلا أن “القناة 12” الإسرائيلية ذكرت أنه تم إبلاغ واشنطن بالعلمية في أوج تنفيذها.

واعتبر نتنياهو أن النجاح في تحرير الأسيرين يؤكدّ نظريته التي كرّرها أمس بان “الضغط العسكري وحده، وحتى تحقيق النصر، سيؤدي إلى إطلاق سراح كل المخطوفين.”

ولكن تحرير مخطوفين إثنين بعد أكثر من أربعة أشهر على العدوان، في عملية تمت من دون دعوة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير للمشاركة فيها “خوفا من التسريبات”، لا يعد دليلا على أي انتصار.

إلى ذلك، أعلن مدير المستشفى الكويتي في رفح صهيب الهمص أن قوات الاحتلال استخدمت في غاراتها على رفح صواريخ حارقة ومحرمة دوليا، بدليل وجود إصابات بتر للأطراف وتهتك في الدماغ وحروق.

وجاء ذلك بعد تأكيد نتنياهو، في مقابلة مع “فوكس نيوز”، أنه “لا يوجد جيش آخر على وجه الأرض يتخذ الاحتياطات اللازمة لمنع الإضرار بالمدنيين. نحن نوزع المنشورات ونتصل بالفلسطينيين ونطلب منهم الخروج من منازلهم”، مشدّدا على أن العدو يردّ بطريقة مسؤولة، ويضمن الخروج الآمن للمواطنين، وفي الوقت نفسه تعمل بتصميم على محو حماس من على وجه الأرض”.

وكرّر نتنياهو الحديث عن نيته الإبقاء على سيطرة “أمنية” دائمة غربي الأردن بما في ذلك غزة منزوعة السلاح، معتبرا أنه ” إذا هزمنا حماس فإن دائرة السلام ستتسع وسيكون لدينا مستقبل مشرق إذا فعلنا ذلك وسنفعله قريبًا.”

وكان نتنياهو قد استبق المكالمة مع بايدن بالإعلان في مقابلة مع شبكة ABC الأميركية إن الجيش الإسرائيلي سيدخل رفح، التي غدت ملجأ لأكثر من مليون فلسطيني، الأمر الذي دفع بايدن للإعراب عن “خشيته” من أن تؤدي مثل هذه العملية إلى كارثة – وطلب من إسرائيل أن تفعل كل ما بوسعها لحماية السكان المدنيين.

ويقدّر كثيرون أنه على الرغم من وجود خلافات أميركية إسرائيلية مؤكّدة، إلا أن موقف بايدن، وبناء على تجارب الماضي، كان دوما أقرب إلى منح الضوء الأخضر لإسرائيل “لإتمام المهمة”، ولكن بخطوات أقل إثارة وأقل مساسا بالمدنيين.

وتشكل هذه المكالمة دليلا على أن التوترات السياسية القائمة بين بايدن وبين نتنياهو لا تقود إلى قطيعة، وأن واشنطن تواصل دورها كراعية لإسرائيل حتى من أجل حمايتها من نفسها. وهذا هو معنى انتقاد بايدن للعمليات العسكرية الإسرائيلية التي وصفها بأنها رد “مبالغ به” على 7 أكتوبر.

وفي ما يتعلق بصفقة تبادل الأسرى، تطرق بايدن خلال المكالمة الهاتفية مع نتنياهو إلى الاجتماع الاستخباري المقرر عقده في القاهرة يوم الثلاثاء المقبل لبحث الصفقة، حاثا رئيس حكومة العدو على “اتخاذ خطوات عاجلة ومحددة لزيادة المساعدات الإنسانية للمدنيين الفلسطينيين”.

ورأى المراسل السياسي لصحيفة “يديعوت أحرونوت” إيتمار آيخنر أن مكالمة بايدن مع نتنياهو للمرة الأولى منذ ثلاثة أسابيع جاءت لحث نتنياهو على إرسال وفد للمشاركة في لقاء القاهرة الذي يحضره رؤساء مخابرات كل من مصر والولايات المتحدة بالإضافة إلى رئيس حكومة قطر، ويشارك فيه عادة رئيس الموساد.

وكانت إسرائيل قد ألمحت إلى أنها يمكن ألّا ترسل وفدا للمشاركة في مباحثات القاهرة لأنها “لا ترى أفقا” له من دون أن تسبقه ضغوط عربية وأميركية على حركة “حماس” لتغيير مطالبها.

ومعروف أن صفقة التبادل تثير خلافات كبيرة في الكيان، داخل الحكومة وخارجها. وسبق لمعلّقين إسرائيليين أن ذكروا أن مأزق نتنياهو يتمثّل في التناقض بين موقف عضوي مجلس الحرب عن حزب “معسكر الدولة” بيني غانتس وغادي آيزنكوت من جهة، وموقف الوزيرين اليمينيين المتطرفين إيتمار بن غفير و بتسلئيل سموتريتش من جهة أخرى.

فرفض صفقة التبادل سيخرج غانتس وحزبه من الحكومة ويضعف استقرارها، فيما أن القبول بالصفقة يهدد بخروج حزبي سموتريتش وبن غفير من الحكومة، وسقوطها بالتالي. وقد دفع هذا الوضع رئيس مكتب التحرير السياسي في “القناة 13” غيل تماري إلى الإعلان بأن نتنياهو “يريد الأسرى أمواتا”.

وفي ظل الانتقادات الدولية لنية إسرائيل العمل عسكريا في رفح، قال نتنياهو أمس أمام حكومته: “إننا نقول للأميركيين والأصدقاء الآخرين في العالم – أنه لا يمكننا أن نترك كتائب في رفح تماما مثلما لم يوافق الأميركيون على ترك مقاطعة صغيرة لتنظيم الدولة الإسلامية أثناء الحرب في العراق”.

إلى ذلك، اعتبر نتنياهو في مقابلة مع “فوكس نيوز” أنه توجد الآن أماكن في شمالي رفح “وسنقوم بتشجيع السكان وتوجيههم بالمناشير والمكالمات الهاتفية للانتقال إلى منطقة آمنة، وهذا هو الاتجاه الذي أعطيته للجيش الآن”.

وزعم أنّه “إذا هزمنا حماس فإن دائرة السلام ستتسع بشكل كبير. ولدينا مستقبل مشرق إذا فعلنا ذلك وسنفعله قريبًا”.

وتحدث نتنياهو عن الضغوط المتزايدة من المجتمع الدولي قائلا إن “الهدف ليس أقل من هذا النصر الذي نتحدث عنه. إنه في متناول اليد. كما يتطلب منا أن نواجه الضغوط التي تتزايد. يجب أن أقول لكم الحقيقة – إنها في تزايد، وكل من يتعامل مع أطراف أجنبية يستطيع أن يخبرنا عن ذلك، كل على طريقته”.

أضاف نحن “نريد في الواقع تحقيق نزع السلاح في القطاع. وهذا يتطلب سيطرتنا الأمنية ومسؤوليتنا الأمنية العليا – على كامل المنطقة غربي الأردن، بما في ذلك قطاع غزة. ولا بديل عن ذلك في المستقبل المنظور”.

ومضى مخاطبا المجتمع “الدولي، وكذلك رئيس الولايات المتحدة الأميركية، وجميع القادة. سيطرتنا الأمنية ستتواجد طوال الوقت – وإذا تطلب الأمر البقاء في الداخل، فستكون هناك إقامة في الداخل. وإذا كان الأمر يتطلب الدخول إلى أي مكان، فأن الجيش الإسرائيلي قادر على الوصول إلى أي مكان وفي أي وقت، فهذا مذكور هنا وسيتم الحفاظ عليه أيضًا في المستقبل”.

Exit mobile version