طلال سلمان

بسيط كبطل مروان برغوثي

لا يولد »البطل« بعملية قيصرية. ومع أن »الشعب« ساذج، في نظر كثيرين من محترفي السياسة، ويمكن اللعب على عواطفه أو استغلال طيبته ومخادعته أو مخاتلته أو استخدام فنون الإعلام والعلاقات العامة لاختراع »الأبطال« والترويج لهم وتصويرهم وكأنهم أصحاب قدرات خارقة، إلا أن حس الشعب، بما هو مجموع المواطنين الطبيعيين، لا يخطئ، ويظل قادراً في أحلك الظروف على التمييز بين من يرفعهم عملهم الدؤوب، وإخلاصهم لما يؤمنون به، وصدقهم في خطابهم، وبين منتهزي المناسبات ولو مأساوية للظهور، وفرسان الجمل الثورية الذين يجعجعون ولا ينتجون، ويتصدرون الصفوف الأولى للصورة فإذا جاء وقت العمل اختفوا ولم يقدموا شيئاً.
مروان البرغوثي يعيد الاعتبار إلى كلمة »البطل«.
إنه رجل بسيط، بكل المعايير، لا هو بالطويل ولا بالعريض، لا هو خطيب مفوّه ولا هو كاتب تحرير، لا هو حامل ألقاب ميدانية مفخمة ولا يزدان صدره بالأوسمة والنياشين.
إنه رجل بسيط، ككل أبناء الشعب الفلسطيني، ابن عائلة طبيعية، ورب لأسرة طبيعية، لم نعرف اسم زوجته ولا سمعنا صوتها إلا بعد اعتقاله، فإذا هي الوجه الثاني لصورة البطل. لم تقل جملاً مفخمة، ولم تلجأ إلى تلك العبارات الديماغوجية الطنّانة الرنّانة. قالت: إنه مواطن فلسطيني واحد من ثمانية ملايين، بين الداخل وداخل الداخل والخارج وخارج الخارج، وإنه زوج طيب، وإنه أب طبيعي لأطفاله، وإن اعتقاله لن ينهي النضال ولن يوقف الانتفاضة، وإن أسرته لم تر له وجهاً منذ فرض الحصار على رام الله، وإن ظل يحرص على طمأنتها بمكالمات هاتفية قصيرة كلما تيسّر له الاتصال بها.
مروان البرغوثي ابن أرضه، ابن شعبه. وكفاءته في مواجهة الظروف الاستثنائية منحته الفرصة لاثبات جدارته بالقيادة، فأثبتها، وكان بديهياً أن يتم التصديق على هذه الجدارة بأحد أمرين: الاستشهاد أو الاعتقال.
مروان البرغوثي كان شهيداً حياً، يحاول جهده ألا يقصر في اداء دوره الوطني الطبيعي وقد جاء زمن الانتفاضة، وهكذا صار الداعية والمحرّض والقائد الميداني، الشارح والمناقش والمجادل بالحسنى، »الخارج« على قيادته »الرسمية« أحياناً، المستجيب لنبض »الشارع« دائماً..
مروان البرغوثي هو »الفلسطيني« المثقل بذكريات النكبة، الحامل تراث النضال من أجل التحرير، الملتصق بأرضه لا يغادرها ولا تغادره. إنه »ملح الأرض«.
عاش مروان البرغوثي ألف حياة وحياة وسيعيش، بعد، ألف حياة وحياة سيكون »الانتفاضة« في المعتقل، وفي »المحاكمة« التي نفترض انها ستتحول الى محاكمة دولية لمجرم الحرب أرييل شارون.
أرييل شارون واحد.
مروان البرغوثي مليون، مليونان، ثلاثة ملايين، عشرة ملايين، مئة مليون، ثلاثمئة مليون، وربما ألف مليون أو يزيد.
لانه بسيط وطبيعي، فلسطيني عربي مسلم، فهو أكثر من مليار.
لا تحتاج البطولة الى أكثر من ان تقول للطاغية، للسفاح، للمحتل، للقوة القاهرة، للاجتياح، للحصار: لا!
مروان البرغوثي: كلمة »لا« ستظل مدوّية، بل هي الآن ستكتسب مزيداً من الدوي، وسيتردد صداها عبر الحناجر العربية جميعاً فلا يسمع في هذا المدى العربي الشاسع غيرها: لا، لا، لا!

Exit mobile version