طلال سلمان

برلمان عربي موقت خطوة تجمع متفرقين امر

لا يتسع الزمن العربي لتبادل التهنئة في احتفال جامعة الدول العربية بمولودها الجديد »البرلمان العربي المؤقت« الذي يحب الأمين العام عمرو موسى أن يعتبره »الذراع التشريعية« لتلك المؤسسة العريقة التي يتزايد عدد الخارجين عليها، كما يتزايد ضيق صدر بعض المسؤولين العرب (حكاماً وأشباه حكام) بدورها الجامع، ولو رمزياً، والمُحرِج في بعض الحالات معنوياً لأنه يفضح خروجهم على هويتهم وليس على موجبات انتمائهم إليها فحسب.
ومع التقدير لجهد الأمين العام ومتابعته الدؤوبة وعناده في انتزاع الدور البديهي لهذه الجامعة التي يريد العديد من المسؤولين العرب أن »يتحرّروا« من وجودها كشاهد عليهم وضمير للأمة يدل على تهرّبهم من واجباتهم الوطنية التي لا تفترق ولا تتناقض مع الواجبات القومية، فإن الخشية ترافق الولادة من أن يسقط الظل الثقيل للأنظمة غير الديموقراطية على هذا البرلمان الحامل لأمراض المجالس بالتعيين أو باختيار أصحاب النطق السامي أو »بالانتخاب الديموقراطي« وتلك قصة أخرى غالباً ما وجدناها مكتوبة بالدم.
لقد انتصر عمرو موسى فانتزع الموافقات السامية، ونجح في إقناع من كانوا يكرهون سماع كلمة »الانتخاب« و»الديموقراطية« إلى ما قبل »التوجيه الأميركي« الأخير… وهكذا استفاد من اللحظة المناسبة لاستيلاد »البرلمان العربي« ولو مؤقتاً وحاملاً أمراض »أهله« الذين بالكاد سلّموا بأن من حق »الرعية« أن تختار »نوابها«، وتفهّموا أخيراً ولو بالإنكليزية أن »الديموقراطية« لا تعني بالضرورة إسقاط القائم بالأمر، لا سيما إذا ما هو أعاد استنساخها على صورته ومثاله بحيث تكون تزكية لنظامه وليست عامل تعجيل في سقوطه.
سيقال قطعاً عن »البرلمان العربي المؤقت« أنه استولد على عجل، وأن ظروف ولادته والمتحكّمين بتركيبته و»المشرفين« على »حركته« لن يسمحوا له بدور مؤثر على السياسات والقرارات العربية… وسيستشهد اليائسون من إمكان التغيير في ظل الأنظمة الرافضة لأي تغيير، والخائفة من شعوبها بحيث تمنع عليهم الانتخابات والاختيار الحر لممثليهم، بكلمات رعاة الاحتفال بولادة هذا البرلمان بالتعيين..
لكن ذلك لا يمنع من الترحيب المبدئي بهذه الخطوة التي تستحضر شكلاً من التوافق العربي، وتستولد مؤسسة تجمع ممثلين (ولو رسميين) عن العرب في مختلف أقطارهم، بينما واقعهم السياسي يكاد يجعل دولهم متباعدة، وأحياناً متخاصمة، وفي أحيان أخرى مغلوبة على أمرها، بحيث يكاد يضيع »المشترك« بينها، في حين أن هذا »المشترك« بينها إنما يتصل بالمصير ذاته، وليس بالعارض من الأمور.
إن الديموقراطية لا تتنزل مطراً من السماء، ولا هي منحة يعطيها النطق السامي للمحكومين،
وها نحن نشهد توظيفاً مشبوهاً للديموقراطية بأمر الاحتلال في مقابل حرية الوطن، أو وحدته، كما في العراق أو فلسطين، بما يحول ممارسة حق الاختيار أو المفاضلة بين الأشخاص (أو اللوائح) في ظروف محتدمة بل متفجرة إلى تعجيل في الحرب الأهلية..
ليس أسهل على الاحتلال من تحويل أمنية »الديموقراطية« إلى فوضى، والفوضى إلى فتنة تشغل الناخبين عن مخططاته أو عن وجوده كقوة هيمنة..
وفي لبنان بالذات، وهو عريق في تجربته الديموقراطية، أنتجت الانتخابات النيابية التي أجريت بالأمر في لحظة مشبعة بمشاعر الثأر والتحدي، ووفق قانون أعرج، مجلساً بمنازل كثيرة، لكل طائفة فيه نوابها، والإجماع مستحيل والتوافق مكلف، والخلاف فتنة..
ومع أنه من الصعب اعتبار »البرلمان العربي المؤقت« مؤسسة شعبية، وبالتالي تجسيداً للديموقراطية، فلا بأس من الترحيب بها على أنها خطوة تجمع العرب (ولو مبدئياً) بينما معظم ما يصدر عن حكوماتهم يفرّق بينهم،
ولنأمل أن يتمكن »المناضل الديموقراطي« الذي جاء من الصحافة إلى النيابة، محمد جاسم الصقر من أن ينفخ في هذه المؤسسة الوليدة بعضاً من تجربته فيتحدى بها المصاعب التي تكاد تصل إلى مستوى الاستحالة.
ولنأمل أن يستمر عمرو موسى في عناده: رفض السماح بقتل جامعة الدول العربية وهو مؤتمن عليها.

Exit mobile version