طلال سلمان

بايدن ونتنياهو: الرسائل المبطّنة تخرج إلى العلن

غزة ـ حلمي موسى

في اليوم الثالث والعشرين بعد المئة، مازال الصبر يعجز عن صبرنا، من دون أن نفقد الأمل بأن ليلنا لن يطول، وبأن شمس حريتنا قريبة وأن انكسار العدوان محتوم وزوال الاحتلال أكثر حتمية. فالهمجية الصهيونية ظهرت بأبشع صورها والعالم لم يعد يتحمل المزيد.

***

ضجت وسائل الإعلام الإسرائيلية، في اليومين الأخيرين، بتقارير عن تردي العلاقات بين إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن وبين حكومة رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو، على خلفيّة الحرب على غزة، سواء لجهة حجم الوحشية التي أبدتها إسرائيل في تعاملها مع المدنيين الفلسطينيين، أو بسبب عناد حكومة نتنياهو ورفضها التفكير بمخرج لإنهاء الصراع على أساس حل الدولتين.

وقد بلغت هذه الضجة ذروتها حين كشف موقع “بوليتيكو” الأميركي النقاب عن وصف بايدن لنتنياهو بأنه “رجل سيء و (…) حقا”. وقد زعم المتحدث باسم بايدن أن الكلمات لم تُقل، وأن بين الزعيمين “علاقة محترمة تمتد لعقود من الزمن”.

إلّا أن الضجة استمرت بأشكال أخرى بسبب تكرر صدور الملاحظات الأميركية المنتقدة لأداء نتنياهو وحكومته، ومع زيارة وزير الخارجية الأميركية للمنطقة وإعلانه السعي لتنفيذ مقترح باريس لتبادل الأسرى.

وكان موقع “بوليتيكو” الإلكتروني قد نشر قبل يومين مقالا لجوناثان مارتن رأى أن “الديموقراطيين الشباب يرون أن دعم الولايات المتحدة لحرب نتنياهو غير مقبول، وقد يكلف الرئيس ملايين الأصوات الليبرالية”.

وعن الرئيس نفسه يقول: “مثل كل من في الإدارة، ومثل كل ديموقراطي ذي نبض، هو يكشف عن شعوره بارتياب عميق تجاه نتنياهو”. ونقل مارتن عن “أشخاص تحدّثوا إلى الرئيس” قوله لعبارة “الرجل السيئ في البرّية.”

ووفقا لكاتب المقال، فإن قلق بايدن الرئيسي يكمن في أن نتنياهو يسعى إلى جر الولايات المتحدة إلى حرب شاملة في الشرق الأوسط، بما يضمن تدفق الأسلحة والجنود الأميركيين، معتبرا إن رغبة نتنياهو في إنهاء الحرب في غزة ستتبدد مع تراجع الضغوط السياسية الداخلية عليه.

ووفقا للمقال، فإن الرئيس لن يعترف بهواجسه علانية، لكنه بدأ يظهر علامات على أنه يستمع إلى شكاوى النشطاء المؤيدين للفلسطينيين. ومن الأمثلة على ذلك إصداره للأمر الرئاسي ضد المستوطنين الذين ارتكبوا أعمال عنف ضد الفلسطينيين، وتصريحه بأنه يصلي من أجل سلامة “المحتجزين كرهائن تحت القنابل، والذين شردوا من منازلهم”.

وينقل كاتب المقال عن سياسيين ديموقراطيين آخرين، يعتبرون “من أشد المؤيدين لإسرائيل”، قولهم إن هناك إجماعاً واسعاً في الحزب على ضرورة وقف إسرائيل للحرب في غزة فوراً، لأنها، من وجهة نظر الحزب الديمقراطي “كارثة سياسية”.

ويدرك نتنياهو جيدا الدور الذي يمكن لواشنطن أن تؤديه في الحياة العامة الإسرائيلية إذا أرادت، من خلال ما تملك من أدوات ضغط. وسبق لواشنطن أن منعت نتنياهو من تعيين سموتريتش وزيرا للدفاع عند تشكيل حكومته، وكانت وراء انضمام كل من غانتس وآيزنكوت إلى حكومة الحرب.

وليس من باب الصدفة أن تنشر “نيويورك تايمز” اليوم أربعة سيناريوهات للإطاحة بنتنياهو في الظروف الحالية.

ويزيد كلام اليمينيين المتطرفين الأمر تعقيدا. فزعيم منظمة “عوتسما يهوديت”، ووزير الأمن القومي إيتامار بن غفير، لم يتراجع عن كلام قاله في مقابلة مع صحيفة “وول ستريت جورنال” – وهو كلام أثار ضجة كبيرة. وفي المقابلة، قال بن غفير إنه “بدلاً من أن يقدم لنا (بايدن) الدعم الكامل، فهو مشغول بتقديم المساعدات الإنسانية والوقود لغزة – التي تذهب كلّها إلى حماس”.

وذهب أبعد من ذلك إذ قال إنه “لو كان ترامب في السلطة، لكان سلوك الولايات المتحدة مختلفا تماما”. كما أعلن بن غفير، الذي سبق أن أدان كبار المسؤولين في الإدارة تصريحاته، أنه يعتقد أن إدارة بايدن “تضر بالمجهود الحربي الإسرائيلي”، وأنه يعتقد أن ترامب سيسمح بـ “تحرير يد إسرائيل أكثر” لقمع لحماس.

وفي مقابلة مع شبكة سي بي إس وبخ مستشار الأمن القومي جيك سوليفان بن غفير قائلا: “سأدع الحكومة الإسرائيلية والسياسيين الإسرائيليين يتحدثون عن أنفسهم، فمن المؤكد أنهم لا يجدون صعوبة في القيام بذلك”. أضاف ردا على مقابلة بن غفير إن “الموقف الأميركي واضح: نحن مازلنا ملتزمين بدعم إسرائيل في حربها ضد حماس، بينما نطالبها ببذل كل ما في وسعها لمنع خسائر المدنيين”.

وفي بداية جلسة مجلس الوزراء أمس، انتقد نتنياهو ضمنا المقابلة التي أجراها بن غفير، من دون تسميته، قائلا “إننا نقدر كثيرا الدعم الذي تلقيناه من إدارة بايدن منذ اندلاع الحرب. وهذا لا يعني أنه ليست لدينا اختلافات في الرأي، ولكن حتى الآن تمكنا من التغلب عليها بتصميم مدروس”.

أضاف “إنني لا أحتاج إلى مساعدة لكي أعرف كيف ندير علاقاتنا مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، مع تمسكنا بثبات بمصالحنا الوطنية. فنحن نتخذ قراراتنا بأنفسنا، حتى في الحالات التي لا نتوصل فيها إلى اتفاق مع أصدقائنا الأميركيين. ”

غير أن مشكلة واشنطن ليست مع بن غفير وحده. فهناك أيضا رئيس الصهيونية الدينية وزير المالية بتسلئيل سموتريتش الذي لا يختلف بحال عن بن غفير وينافسه في التطرف.

وقد هاجم سموتريتس، أمس الاثنين، قرار إدارة بايدن فرض عقوبات أميركية على أربعة مستوطنين إسرائيليين متورطين في أنشطة عنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، وقال “إن الولايات المتحدة تصنّف أكثر من نصف مليون من الإسرائيليين كأعداء”، مضيفا إنه “في الأسبوع الماضي، قررت إدارة بايدن، في سابقة، فرض عقوبات صارمة على مواطني دولة إسرائيل كجزء من حملة كاذبة ومعادية للسامية تقودها عناصر حركة المقاطعة وأعداء إسرائيل لـ ’عنف المستوطنين‘”.

وتابع قائلا “إن الإدارة تلجأ إلى الخطوات التي تُتّخذ عادة ضد الإرهابيين والمنظمات الإرهابية، وتوبخ أكثر من نصف مليون مواطن إسرائيلي ملتزمين بالقانون، وهم في هذه الأيام في طليعة الحرب على الإرهاب ويدفعون، جنبًا إلى جنب مع المجتمع الإسرائيلي، ثمنا لا يمكن تصوره”.

وأعرب عن اعتقاده أنه “لا يمكن لدولة إسرائيل أن تكمل من دون ان تقف ضد تصرفات الإدارة الأميركية. ولا يمكن لمواطن إسرائيلي لديه أموال إسرائيلية أن يعيش في دولة إسرائيلية إذا حُرم مصرف إسرائيلي من حقوقه وأصوله بموجب أمر أميركي – لا ينبغي السماح بمثل هذا الواقع”.

ربّما باتت العلاقات الأميركية الإسرائيلية، في ظل الحرب على غزة، وفي عهد الديموقراطيين، موضع مراجعة وتدقيق بعدما تحولت الولايات المتحدة إلى “بيبي سيتر” لنتنياهو وحامية لإسرائيل. لكن واشنطن المدركة لمخططات نتنياهو لتوريطها في حرب إقليمية، تحاول قدر الإمكان عدم الوقوع في الفخ.

وما زيارة بلينكن هذه المرّة إلا حلقة في سلسة الضغوطات الأميركية على إسرائيل لتغيير موقفها من “اليوم التالي” وحل الدولتين. وإذا لم يكن الضغط الأميركي المباشر كافيا، فهناك تصريحات رؤساء حكومات بريطانيا وكندا واستراليا والمستشار الألماني حول حل الدولتين التي تظهر أن واشنطن تضيق الخناق هذه المرة على نتنياهو، برغم استمرار تشددها في محاربة “حماس”.

Exit mobile version