طلال سلمان

باول شارون ابومازنيون عرب

المهمة واحدة وإن فرضت الظروف العمل على مسارين، متكاملين بالنتيجة:
1 في دمشق أساساً ومعها بيروت كان العنوان فلسطينياً أما المضمون فيتركز على حماية الاحتلال الأميركي للعراق: فمن يدعم مباشرة أو بصورة غير مباشرة المنظمات المقاومة في فلسطين، ضد الاحتلال الإسرائيلي، إنما يدعم أو هو يحرّض أو هو يدعو ويساعد على انتظام مقاومة جدية ومنظمة ضد الاحتلال الثاني في أرض الرافدين.
2 أما مع »السلطة الفلسطينية« ممثلة برئيس الحكومة الذي اختُرع له المنصب اختراعاً وتمت تسميته في واشنطن ولندن وتل أبيب، قبل أن يفرض على الرئيس الشرعي والمنتخب ديموقراطياً وبالإشراف الأميركي للسلطة، ياسر عرفات.
… ثم مع القاهرة التي سلمت بهذا الفرض، ومع عمان التي فرحت به أيما فرح، واليوم مع السعودية التي يلجمها الخوف من الخارج والداخل.
… فإن العنوان إسرائيلي وإن كان المضمون فلسطينياً، وبالتالي فلا بد من تغطية عربية واسعة لهذا التنازل الجديد المفروض على الفلسطينيين.
وإذا كانت الأطراف العربية المعنية هنا قد أغضت الطرف عن المشاريع الأميركية المعلنة لإدامة الاحتلال الأميركي للعراق إلى ما شاء الله، فإن عليها أن تساعد على إقناع الفلسطينيين بالصيغة الشارونية لخريطة الطريق الأميركية إلى »دولة فلسطينية« لن
يكون فيها من فلسطين إلا الاسم ومن الدولة إلا العلَم… ورئيس الحكومة!
المعترض هنا معترض هناك، وبالتالي فلا بد من تهديده بأنه سيكون في »الجانب الآخر من التاريخ«! بالمقابل فإن من يعلن اعتراضه على احتلال العراق لا يمكن أن يكون موافقاً على الخطة الأميركية لتثبيت الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين و»شرعنته« بختم رئيس حكومة السلطة الذي يُراد اختصار شعب فلسطين وقضيتها المقدسة بشخصه الكريم.
أما شارون فلا يتحدث مع »الصغار«، وهو وإن كان قد جهر برفضه لخريطة الطريق بل تجاهلها كلية وكأنها غير موجودة، فقد أرجأ إعلان موقفه »النهائي« إلى ما بعد لقائه والرئيس الأميركي جورج بوش في البيت الأبيض، حيث تشكل العصابة الصهيونية أكثرية مطلقة، ويمكنها أن تحوّل المشروع إلى خريطة للتيه الفلسطيني في قلب الحرب الأهلية التي تلغي ضرورة التسوية السياسية مع الاحتلال الإسرائيلي.
في دمشق وبيروت وجد كولن باول من يناقشه فيرفض »الشروط المسبقة« أو الطلبات الماسة بالسيادة والكرامة الوطنية، والتي توسلت »الإرهاب« لفرض الحماية الضرورية للاحتلال الأميركي للعراق، وإن تحت عنوان فلسطين (بين أهدافه تحريض »الحكومة« الفلسطينية على السوريين واللبنانيين المزايدين بما يهدد مشروع »الدولة« بالاندثار…).
أما في القاهرة فإن التحفظ المحدود لم يكن بمستوى رفض شارون العلني والصريح..
وأما في عمان فالتبرع قائم بحماية الاحتلالين، حتى من دون »جميل« أبي مازن!
وأما في الرياض فإن مبادرة الأمير عبد الله تصلح ستارا لتمرير خريطة الطريق وكأنها استجابة أميركية لطلب عربي حظي بإجماع المؤتمرين في قمة بيروت.
في دمشق وبيروت كان التهديد الأميركي مموها إلى حد ما، أما حين وصل كولن باول إلى إسرائيل فقد انتفت الحاجة إلى التمويه، وبات ممكنا إنذار دمشق بالعقوبات وما هو أقسى!
وفي ظل هذا التهديد الذي قد يطمئن من عُيّن رئيس حكومة لإنجاز المهمة القذرة، حدد باول أمر العمليات لأبي مازن: تفكيك البنى التحتية للإرهاب، (مع رشوة علنية مقدارها 50 مليون دولار) مع الأخذ بالاعتبار أن إسرائيل قد أنجزت الكثير على صعيد إضعاف المنظمات الفلسطينية التي ما تزال تحمل السلاح…
لكن شارون يرى أن المفتاح يتمثل في أن تشن حكومة أبي مازن حربا فعلية، حربا حقيقية ضد »الإرهاب«، وقد أكد باول على هذا المطلب.
ثم إن شارون لا يمكن أن يكتفي باقتراح وقف لإطلاق النار، فضلا عن أنه يرفض الحديث في إزالة المستوطنات، أو وقف بناء المزيد منها للجيل الثالث من نخبة المقاتلين من أجل إسرائيل العظيمة!
هي مهمة إسرائيلية لكولن باول… ومع ذلك فإن شارون يعترض عليها لأنه يفترض أنه يستطيع أن يأخذ كل شيء من دون أن يعطي شيئا.
ومن أسف أن المسؤولين العرب الذين التقاهم خلال اليومين الماضيين، ومعهم من سيلتقيهم اليوم، قد قبلوها مرحبين، برغم معرفتهم بالرفض الإسرائيلي وبالسكوت الأميركي عن هذا الرفض.
ومفهوم أن يكون جورج بوش قد أراد »مجاملة« العرب بوعد فلسطيني معلّق على ما بعد نتائج الانتخابات الرئاسية،
ولكن غير المفهوم هو هذا الترحيب »العربي« بوعد رئاسي تملك إسرائيل وحدها حق نقضه بقوتها على الأرض »العربية« كما بقوتها بالأصوات الانتخابية الأميركية بحيث يمكن القول إنه لن تكون هناك دولة فلسطينية قبل تنازل الأبومازنيين العرب والفلسطينيين ضمنهم عن حق الدولة.
وهم هم المهللون لإدامة الاحتلال الأميركي للعراق!
وليس من باب النبوءة السوداء أن يقال إن المحرضين على حرب أهلية فلسطينية فلسطينية تديم الاحتلال الإسرائيلي قد يحرضون على فتنة عراقية تديم الاحتلال الأميركي للعراق.

Exit mobile version