طلال سلمان

باراك يقتل قمة كلينتون

لا الدعوة كانت للتوقيع على اتفاق جاهز، ولا تلبيتها كانت مشروطة بإنجاز في حجم الآمال أو التمنيات التي علقها كثير من الأبرياء والمتعجلين والمراهنين الدائمين على »استعداد إسرائيل للسلام«، على »قمة الفرصة الإضافية« بين الرئيسين الأميركي والسوري.
لم يكن فشل هذا اللقاء الاستثنائي في أهميته والطارئ في توقيته مستبعداً تماماً، بل لعله كان يلوح في الأفق بأوضح مما تلتمع بوارق احتمالات النجاح، خصوصا وأن الداعي لم يكن أكيدا من استجابة »الغائب« ولا هو ادعى القدرة على انتزاع موافقته »بالضغط عليه«،
وبقدر ما كان بيل كلينتون دقيقا في توصيف مبادرته بأنها محاولة جديدة لكسر الجمود، فقد كانت التلبية السورية متحفظة في تقديرها للنتائج المحتمل التوصل إليها، لأن الدلالات المباشرة لتردد إيهود باراك لم تكن تسمح بحصول »معجزة اللحظة الأخيرة«، خصوصا ودمشق تعرف ان ادعاءات »نابوليون الصغير« تتخطى إمكانات التحالف الهش لحكومته الائتلافية… هذا إذا ما تم التسليم باستعداده الشخصي لخوض معركة التسوية في ميدانها المفتوح على الخطر: سوريا ومعها لبنان.
وها قد نجح باراك، مرة أخرى، في رفع مستوى الخطر في هذا الميدان المثقل بالدم ورائحة الموت وآثار الحريق والرموز التاريخية المستعصية على الانطفاء، (والتي أعادت زيارة البابا لفلسطين المشطرة بين احتلال الأرض واحتلال الإرادة، التوكيد على دلالاتها العميقة والتي يصعب نزعها من وجدان الناس).
كانت »أبوة« النجاح لو أنه تمّ، ستتوزع على الرئيسين الحاضرين مع نصيب مهم ل»الغائب« الذي عطل حضوره كشبح للجنرال المقاتل هذا الاحتمال.
أما الفشل في جنيف فله أب واحد اسمه إيهود باراك.
وقد يزيد هذا الفشل من شعبية باراك، بإظهاره أعظم تطرفا من أسلافه، وبالذات منهم بنيامين نتنياهو، وهو »نصر« مجاني يحققه »أول رئيس حكومة منتخب شعبيا في إسرائيل« على رئيس أميركي يعد أيامه الباقية على مغادرته البيت الأبيض،
لكن المؤكد أن هذا الفشل سيزيد من حدة الأزمة الإسرائيلية، داخلياً، وعلى المستوى العربي بخاصة والمستوى الدولي عموما.
أما حافظ الأسد فخارج المراهنات على النجاح والفشل، لا هو بدّل في موقفه من أجل القمة الثالثة مع بيل كلينتون، ولا هو بدّل خلالها موقفه بقبول شروط كان يرفضها قبلها وهي ما زالت مرفوضة بعدها.
كذلك فالمرجح ان يبقى خارج حساب التعويض عن هذا الفشل احتمال النجاح (؟) في المفاوضات »المعتقلة« داخل قاعدة عسكرية اميركية بين وفد فلسطيني غير مؤتمن ووفد اسرائيلي غير مفوض بالتوقيع، بدليل ان وفدين »اكثر جدية« يخوضان غمار مفاوضات التنازل الفلسطيني الجديد، بعيدا عن واشنطن وقريبا من تل ابيب، وربما في مقر الموساد مرة أخرى.
ومؤكد ان هذا »التفشيل« الاسرائيلي للمسعى الاميركي الجديد، والذي قد لا يكون الاخير، سيصدم الرئيس المصري حسني مبارك، الذي سيلتقي الرئيس الاميركي غدا فيسمع منه ما يهز تفاؤله القدري، وما قد يضطره الى اعادة النظر في مسلكه القائم على عدم القطع مع الاسرائيلي بدافع الحرص على الفلسطيني الذي يراه اضعف من ان يفاوض وحده في حين ان رأس »السلطة« يفضل دائما ان يفاوض (وحده بالتأكيد) وعلى حساب غيره، كلما امكنه ذلك، لدرء تهمة التفرد عنه (كما في اوسلو ومتابعاتها الكثيرة..).
المعركة، على التسوية ومن اجلها، مفتوحة إذن، بعد،
ولبنان يكاد يكون المعني الاول بها، ليس فقط بسبب تلازم مساره مع المسار السوري، بل اساسا لأن موعد »حرب الانسحاب« الاسرائيلي يقترب… ولعل ساعته الباراكية ستدق قبل اكتمال دورة العقارب، في تموز المقبل.
ومن الضروري التنبه الى الاشارة الملفتة في البيان الرئاسي السوري، بعد ارفضاض القمة، عن »ايجاد حل عادل لقضية الشعب الفلسطيني تحقيقا لشمولية السلام واستقرار الاوضاع في المنطقة«.
المساران يتجهان نحو ان يصيرا ثلاثة (؟) درءا لخطر توطين الفلسطينيين في لبنان، وهو هاجس يحكم حركة الحكم اللبناني منذ الحاح باراك على التهديد بانسحاب من دون اتفاق… ذلك ان مثل هذا الانسحاب لا يعني إلاّ تفجير حروب صغيرة، ثابتة او متنقلة، على الارض اللبنانية، وبالنار الاسرائيلية.
ومع ان خبر الفشل في هذه القمة التي علق عليها الناس آمالاً بأكثر مما تحتمل، ربما، لا يبعث على السعادة، إلاّ ان »القضية« التي كانت موضوعها، والتي كلفت حتى الآن حروبا عديدة تستحق أكثر من »قمة« متعجلة، لا سيما مثل هذه التي شهدتها جنيف والتي كانت طبول التطرف الاسرائيلي أعلى بكثير من صوت العقل الاميركي فيها،
وقمة جنيف ليست أول الطريق ولا هي آخره.

Exit mobile version