طلال سلمان

بادرة عربية حارة مع لبنان؟

سال حبر لبناني غزير في الايام القليلة الماضية امتداحاً للعطف الاستثنائي الذي أظهرته الادارة الاميركية على لبنان: دوره »الاقليمي«، اعادة اعماره وإنهاضه الاقتصادي.
ولقد بالغ البعض في تقدير »التحول« الاميركي حتى كاد يعتذر لواشنطن عن كل كلمة نقد او »عتب« على الادارة الاميركية، سواء في ما يتصل بموقفها الضعيف بل والمتهالك في حماية »العملية السلمية« التي ترعاها من جموح التطرف الاسرائيلي ممثلاً بلاءات نتنياهو الشهيرة، أو بما هو أقل بكثير: رفع الحظر عن سفر الرعايا الاميركيين الى لبنان.
لم يتوقف إلا القلة القليلة من المتابعين أمام تناقض هذا المسلك الاميركي تجاه لبنان مع البرودة الواضحة والخلل المكشوف وربما الازمة التي تجتازها علاقات واشنطن العربية، حتى مع اقرب اصدقائها العرب اليها..
كذلك لم يتوقف إلا القلة القليلة من المتابعين أمام تهرب الادارة الاميركية من مواجهة النهج التدميري لكل ما تم (؟!) في سياق عملية التسوية، ولو بالشروط الاسرائيلية، الذي يعتمده بنيامين نتنياهو والذي يتجلى في حرب الاستيطان التي أججها حتى بلغت الذروة، كما في تقصده نسف المرتكزات المتصدعة اصلاً التي قام عليها »اتفاق اوسلو« مع كونه لا يلبي الحد الادنى من مطامح الشعب الفلسطيني.
في هذه اللحظة، تحديداً، يمكن تسجيل »المظاهر« التالية للعلاقات الاميركية مع العرب إجمالاً:
1 هناك ثلاث دول عربية تحت الحصار، بقرار اميركي، ولعل العمل ناشط لإضعافها اكثر فأكثر حتى الانهيار الكامل وهي: العراق، ليبيا، والسودان،
وهذه خارج السياق..
2 في خانة »الاصدقاء« لا بد من التذكير بالوقائع الآتية:
أ العلاقة بين واشنطن والقاهرة، اكبر الاصدقاء باردة، ان لم نقل انها متوترة، وهي في كل الحالات تعاني من اضطراب عبَّر عن نفسه علناً في اكثر من مناسبة وكان السبب دائماً اسرائيلياً: قمة شرم الشيخ الشهيرة، قمة واشنطن التي غاب عنها الرئيس المصري حسني مبارك، المؤتمر الاقتصادي في القاهرة الخ…
ب العلاقة بين واشنطن والرياض، اقرب الاصدقاء وأعرقهم، مأزومة ويسودها التوتر ولا سيما بعد الاجراءات التي لجأت اليها السعودية او طلبت الى الاميركيين اتخاذها بعد التفجير الذي استهدف قاعدة عسكرية اميركية في الخبر.
ج العلاقة مع »الصديق اللدود« سوريا مجمدة، خصوصاً أن مصدر الحرارة فيها صدق الجهد الأميركي في استكمال »المسيرة السلمية« التي انطلقت من مدريد، هذا المؤتمر »الاميركي« نصاً وروحاً الذي ما كان حضره العرب (وسوريا بالذات) لولا الضمانات الاميركية، ولولا تعهد إدارة جورج بوش ثم إدارة بيل كلينتون بأنهما ستوظفان ثقل الموقع الاميركي الممتاز »لإقناع« اسرائيل بتسوية توفر لها سلاماً كاملاً وأمناً ثابتاً داخل »حدود« الأمر الواقع التي أقامتها بالسلاح على ارض عربية متجاوزة »الحدود« التي رسمتها لها القرارات الدولية وأبرزها قرار التقسيم.
د حتى مع لبنان نفسه والى ما قبل شهور قليلة، لم تكن الإدارة الاميركية تظهر كثيراً من الاهتمام بإعمار لبنان او بدور له خاص ومتميز ومستقل في »العملية السلمية«.. على العكس؛ كانت تتصرف (وتعلن) وكأنها سلمت بتلازم المسارين اللبناني والسوري، وكانت تنوّه بالدور السوري في لبنان وتسلّم (وتدعو اللبنانيين الى التسليم) بكل ما يترتب على استمراره من موجبات (الانتخابات النيابية، الحكومات، الأمن وبالتحديد الجيش الخ)..
فماذا عدا مما بدا حتى اكتشفت الإدارة الاميركية وفي »الوقت الضائع« بين ولايتين، هذه الأهمية الاستثنائية للبنان ودوره وحيويته وديناميكيته كمركز تجاري أول في الشرق.
بل ماذا استجد حتى بدا أو كاد وكأن إعادة إعمار لبنان بين الشروط الضرورية لإنجاز »العملية السلمية«؟!
هل تبدلت واشنطن أم تبدلت بيروت؟!
في حدود ما يعرفه الناس، فليس من تبدل ملحوظ يمكن ان يستوقف المراقب في أي من العاصمتين: فالإدارة الأميركية بقيادة بيل كلينتون هي هي وإن غاب عنها بعض مساعديه المتعبين وجاء غيرهم من المتحمسين، وحكومة لبنان هي هي تقريباً، فلا من غاب عن الحكومة الجديدة كان صاحب قرار ولا من دخل جنتها يمكن ان يبدل في السياسات الدولية.
من السذاجة بمكان ان نفترض ان كلينتون يرد على تعنت نتنياهو في فلسطين بهذا الدعم المعنوي الاستثنائي للبنان، إذ لا يمكن التوقف أمام مثل هذا التناول السطحي لعلاقة التحالف الاستراتيجي القائمة والباقية بين واشنطن وتل أبيب كائناً من كان الحاكم فيهما..
وبالتأكيد فإن لدى واشنطن من اسلحة الانتقام أو من وسائل العقاب أو الرد على تطرف نتنياهو غير العشرين مليون دولار التي تكرمت بها على لبنان.
لقد فرغ الشارع بعد التظاهرة التي تظل كسباً إعلامياً ومعنوياً للبنان، إلا من الأسئلة عما قبل التظاهرة وعن الدوافع الى تنظيمها وعما سيكون بعدها.. ولا سيما عما سيكون بعدها.
والجواب أميركي أيضاً: »لننتظر ولنرَ«..
وهو جواب ولاّد أسئلة، أيضاً.

Exit mobile version