طلال سلمان

اين لبنان وحكمة في حرب اسرائيلية على سوريا

وحدهم الرؤساء الأخوة الأعداء رفاق السلاح مستولدو الخط الواحد في لبنان، يواصلون »حروبهم على أرضنا« بغير قلق على المسار أو المصير أو عليهما معاً..
تقع الغارة الإسرائيلية على ذلك المعسكر المهجور قرب دمشق محدثة ما يشبه الزلزال في المنطقة عموماً، وصولاً إلى مجلس الأمن الدولي والفيتو الأميركي الذي يفضح »التواطؤ« ويشرعن سلفاً أي قرار شاروني متهور، فلا يفعلون إلا زيادة جرعات التأييد اللفظي »للقيادة الشابة« في سوريا، والمبالغة في عبارات الشجب والاستنكار… ثم يعودون إلى مواصلة »حروبهم« التي تظل لها الأولوية المطلقة عندهم، على كل ما عداها، بمنطق »أنا، ومن بعدي الطوفان«، أو »إذا مت ظمآناً فلا نزل القطر«!
لا يثنيهم شبح الحرب الإسرائيلية متعددة الجبهات، وهي تكاد تشمل مع فلسطين كل جوارها، فتمتد جنوباً في اتجاه مصر لترهبها بالحديث المبالغ فيه عن »خطر السلاح الأميركي في يد الجيش المصري الضخم«، بينما المدافع والصواريخ الإسرائيلية تدك مخيم رفح دكاً فتهدم المئات من بيوته وتقتل العشرات من أبنائه، رجالاً وأطفالاً وشيوخاً، مع الإشارة إلى أن رفح هي حبل السرة مع مصر، فضلاً عن أنها أحد شرايين الحياة للفلسطينيين..
.. أما إلى الشمال فيتم استفزاز سوريا بالغارة التي أريد تصويرها وكأنها »الأولى« والتي سيكون لها ما بعدها، وقصد منها امتحان القيادة السورية واستكشاف مدى جاهزيتها للمواجهة، وهي مطوّقة بالاحتلال الأميركي في العراق وبابتزاز قانون محاسبة سوريا في الكونغرس الأميركي الذي يضيف إلى التهديد بالحصار التلويح باستخدام لبنان »ورقة« من أوراق الضغط لإضعاف الصمود السوري أو كشف عجز دمشق عن المواجهة بما يذهب بهيبتها..
… مع ذلك يستمر »الأخوة الأعداء« في قمة الحكم في لبنان في »حروبهم على أرضنا«، أي على اقتصادنا وعلى كرامة المواطن وحقوقه، (والإضراب المقبل مجرد صرخة وجع من هذه الأوضاع المهينة التي تسبّبت فيها سياساتهم الرشيدة)، فلا يعدّلون حرفاً في جداول أعمالهم الخاصة جداً فيقدمون فيها أو يؤخرون بما يتناسب مع الأوضاع الطارئة.
كل ما حدث ويحدث منذراً بما قد (أو سوف) يحدث لم يبدّل في برامج جولات التفقد وإثبات الحضور وتأكيد الاختلاف في الداخل والخارج، تفصيلاً واحداً، ولم يفرض جلسة طارئة فضلاً عن العادية!! لمجلس الوزراء، يكتمل فيها النصاب آلياً (وبدافع من الحمية الوطنية أو حتى النفاق لسوريا)، وبغير الاستعانة بالمخبرين السريين وبالشفاعات التي لا ترد لاستحضار الغائبين، من أجل الصورة (وسمعة البلاد!!)… أما مغيّبو أنفسهم بقرار ذاتي فيواصلون غيابهم بذريعة أنهم حريصون على عدم تفجير »الوضع الداخلي« القابل للاشتعال عند أول احتكاك، في لحظة سياسية غير مناسبة!
وحتى وليد جنبلاط يغرّد، اليوم، خارج سرب الحكم (والمعارضات)، ربما لأنه »يقرأ« فيفهم وبالتالي يربط المحلي بالعربي، والدولي والسياسي بالاقتصادي والاجتماعي، ولذا فهو يفهم أن »السلم مع إسرائيل مستحيل«، وأن إسرائيل ومعها أميركا قد تستطيعان تدمير لبنان وسوريا، أما »الاحتلال فمصيره معروف بشهادة ما أصاب الفرنسي والبريطاني والإسرائيلي بعدهما«.
إن إسرائيل، ومعها أميركا، تفرض على منطقتنا كلها حالة حرب. وها هي سوريا بلسان رئيسها تعلن استعدادها للمواجهة: »على الإسرائيليين أن يفهموا أنه مهما كبرت قوتهم العسكرية فلن يفلحوا في تحقيق أهدافهم وزرع الخوف فينا«.
.. وها هو وزير خارجية سوريا يؤكد أن سوريا ليست عاجزة على إقامة التوازن المقاوم الرادع الذي يحمل إسرائيل على إعادة حساباتها..
وها هو رئيس أركان الجيش السوري يستنفر وطنية هذا الجيش مع توجيه إشارة خاصة إلى الطيارين، استعداداً لاحتمال مواجهة قد يفرضها العدو الإسرائيلي في أي لحظة، وقد تشمل الجبهات والأسلحة جميعاً.
إن المنطقة برمتها على حافة الحرب. وفي إسرائيل يستذكرون حرب تشرين العبور، وتتهاطل تصريحات القادة منذرة بقرب هبوب العاطفة..
ان اسرائيل تحاول ان تستثمر حلفها الجهنمي مع الادارة الاميركية للتخلص من كل ما يزعجها اليوم او قد يزعجها في المستقبل، في من وما تبقى صامداً فوق ارض منطقتنا هذه.
وهي تحاول أيضا ان تكرس لنفسها دور الشريك الكامل للحليف الاميركي في الهيمنة على الثروات والموارد والمصائر في منطقتنا.
وما افتعالها جو الحرب مع مصر (ولو على المستوى السياسي) ومع سوريا، بالغارة التي قد يكون لها ما بعدها، ومع لبنان بالاختراق اليومي لمجاله الجوي واستخدامه »معبراً« لضرب سوريا، ومع فلسطين بحرب الإبادة التي تشنها ضد شعبها المعزول وشبه الأعزل، الا مقدمات لتطورات خطيرة قد تتجاوز الابتزاز السياسي الى فرض شروط الاستسلام على من تبقى خارج دائرته من العرب، اي على سوريا ولبنان، تحديداً… فضلا عن إذلال شعب فلسطين بالقضاء نهائياً على حقه في وطنه وحلمه في دولة فوق ارضه.
فلبنان في العين الاسرائيلية عدو مهما توهم الواهمون ان له ضماناته الخاصة، ومهما بلغ العمى السياسي لبعض قادته فافترضوا ان العدو الاسرائيلي لا يريد الا »تحرير« لبنان بإخراج سوريا او بضرب النفوذ السوري فيه، واستطراداً: باستئصال »حزب الله«، وكأنما هؤلاء المجاهدون المنتمون الى المقاومة والذين دفعوا من دمائهم ضريبة تحرير ارضنا المحتلة، هم »جالية اجنبية« او »جيش غريب وطارئ« او »قوة وافدة« لا يتم التحرير الا بتصفيتها او بإخراجها من لبنان.
وبالتالي فإن الحرب الاسرائيلية على سوريا هي بالدرجة الاولى حرب على لبنان، وإضعاف سوريا لن ينعكس قوة على لبنان، بل هو سيذهب بأمنه وبما تبقى من اقتصاده، وقد يهدد جدياً وحدته الوطنية.
ان لبنان بحكم »التجربة« و»الموقع« يحتل المرتبة الاولى في العداء، وثمة بين القادة العنصريين في اسرائيل من يعتبر ان له ثأراً على اللبنانيين، وأن ابتزاز سوريا وإنهاكها او إضعاف موقعها وموقفها السياسي انما يعطي ثماره في لبنان.
وبالتالي فإن واجب الحكم في لبنان ان يوقف حروبه الخاصة على ارضنا، ليس من اجل سوريا وتحت راية التحالف معها (ولو نفاقاً)، انما لحماية ذاته قبل حماية شعبه الذي يكاد يفقد الأمل في وطنه نتيجة هذه الممارسات المخزية لاهل الحكم فيه.
وأبسط شروط التضامن مع سوريا ان يتضامن الحكم مع ذاته ثم ان يتضامن مع شعبه.
… وإلا فمن حقنا ان نعتبر ان هذا الواقع المزري للحكم انما يجره موضوعياً الى موقع المتآمر على لبنان اولا، ومن ثم على سوريا، ولو ادعى الف مرة في اليوم وأقسم بالأيمان المغلظة انه الحليف الذي لا حليف غيره!
ونخاف أن تقول سوريا، ذات يوم: اللهم احمني من حليفي… اما اعدائي فأنا كفيلة بهم!
اما اللبنانيون فسبّاقون في هذا المجال!

Exit mobile version