طلال سلمان

اوهام عربية في عصر اسرائيلي

طريفة، بل مثيرة للإشفاق هي المطالبة العربية بمقعد دائم في مجلس الأمن الدولي، على غرار الدول الخمس »العظمى«، بينما جامعة الدول العربية التي عبَّر أمينها العام عن هذا المطمح، لا تجد لها دورù عربيù جديù ولا هي تستطيع استيفاء ديونها المتراكمة على أعضائها الكثر لتكون لها موازنة تتعدى قيمتها رواتب موظفيها شبه العاطلين عن العمل.
وليست للدكتور عصمت عبد المجيد إشراقة الأخطل الصغير ولا جدارته بلوم المقصرين إزاء مكانته ودوره العظيم في الشعر العربي، لكنه سيجد الرد على »نكتته« البائسة في القصيدة الأخيرة التي أطلقها بشارة الخوري في وجه الذين جاءوا يؤمرونه على الشعر بينما هو ذاهب في الرحلة الأخيرة:
»اليوم أصبحت لا شمسي ولا قمري
مَن ذا يغني على عودٍ بلا وترِ؟!«
في أي حال فإن أحدù لم يعرض على عبد المجيد أن تكون جامعته، »أميرù« سواء بشخصها المعنوي أم بمجموع أعضائها الذين لم يعودوا يلتقون فيها إلا نادرù، وبحكم التعوّد أو حفظù للشكل، ولأغراض مختلفة في الغالب الأعم عن تلك التي قامت أو أقيمت من أجلها الجامعة المتهالكة… ولعل تلك الأغراض هي التي استبقت »الباشا« شخصيù على رأس أمانتها العامة تدليلاً على اختلاف الزمان وانقلاب المهمة والدور.
لم يعد العرب ما كانوه، وبالتالي فلم تعد الجامعة بقادرة على جمعهم فكيف بتوحيد مواقفهم ولو على الحد الأدنى، وفي »اللحظات التاريخية الحاسمة«!
لقد باتت إسرائيل »داخل« جامعة الدول العربية، من دون أن تكون عضوù رسميù فيها، لها ما لجيبوتي والصومال وجزر القمر من حقوق وواجبات!
دخلت إسرائيل الجامعة، عمليù، منذ أن وقّعت مصر السادات اتفاقها الأول معها، إذ فقدت هذه المؤسسة ذات الوظيفة التوفيقية أصلاً، والتي تسير بخطى أضعف أعضائها وبقيادة »أكبرهم«، ما كان تبقّى من دورها المهمّش، والذي كان تهميشه شرطù لتسهيل الخروج على الالتزامات والموجبات التي ينص عليها ميثاقها المنسي.
لم ينفع نقل المقر في إخراج إسرائيل منها، كما لم تنفع عودتها إلى القاهرة في استعادة مصر، وإن هي ساهمت في »تشريع« الدخول الاسرائيلي بالتوازي مع التبدل النوعي الخطير الذي كان أصاب »العرب« في فترة »النقل التأديبي« وكثمرة طبيعية له.
من قبل أن يطالب شمعون بيريز »بحق« إسرائيل في الانضمام إلى الجامعة، كانت هذه المؤسسة التي كان بين مهامها »النظرية« توحيد العرب للقتال ضد إسرائيل من أجل تحرير فلسطين قد بدأت تجتهد لاستيعاب الاجتياح الاسرائيلي »السلمي« للعديد من الجبهات العربية، وبالذات منها الجبهة الفلسطينية التي وفرت قيادتها الذريعة لكل الراغبين في الالتحاق »بالنظام العالمي الجديد« عبر البوابة الاسرائيلية.
وقبل الاسرائيلي، كان مندوب أميركي صغير بموقعه قد تجرأ على الجامعة فوجه إليها إنذارù علنيù في قلب مكتب أمينها العام، مدشنù »العهد الجديد« الذي بين معالمه وضع اليد رسميù على القرار العربي المشترك، إذا ما توفرت الفرصة لصدوره في أي يوم.
أما الإسرائيلي فيكتفي حتى اليوم بحق النقض (الفيتو) مطمئنù إلى أنه قد بات مستحيلاً إصدار ذلك النوع من قرارات الإدانة والشجب ناهيك بالرفض الصارم والإصرار على المقاطعة أو التلويح بعقوبات أو حتى التهديد اللفظي، والتي كانت تمر آليù ومن دون قراءة باعتبارها جزءù من الديباجة التي لا تعني في حقيقة الأمر شيئù ولا يتوقف أمام كلماتها الفخمة أي عربي ناهيك بالأجنبي.
لقد بات الإسرائيلي طرفù مباشرù في كل حوار بين أي عربيين، وبالضرورة طرفù مؤثرù في أي لقاء عربي موسع، يجد من يتبرّع بعرض وجهة نظره كمشروع جدي، أو يرفض ما يفترض انه »مُعادٍ« أو »لا ينسجم مع مستلزمات السلام« إضافة إلى أولئك الذين يدارون فلا يقولون شيئù حتى لا يكون كلامهم شهادة عليهم.
وبمقدار ما باتت إسرائيل »خبيرة« في اللهجات العربية المختلفة، البدوية منها والحضرية، الريفية منها والمدينية، فهي قد ادعت رسميù انها لا تتقن ولا تفهم »الفارسية«، واتخذت من هذا »الجهل« المدعى ذريعة لاستبقاء »خاطف« الطائرة الإيرانية في ضيافة مخابراتها،
وفي حين تتوغل إسرائيل عميقù في اللهجات المحلية الفلسطينية، فتميز بين الغزاوية والنابلسية، وبين البيت لحمية والبيت ساحورية، وتفرز »الخلايلة« عن معظم الخليل، وتعزل المقدسيين عن القدس، وتفصل بين الحرم الشريف فيها وبين المصلين فيه،
في هذا الوقت تصوِّر إسرائيل »اللهجة« السورية واللبنانية استطرادù، وكأنها لغة غير مفهومة، وتطعن حتى في خبرة »المترجم الأميركي« وأمانته في النقل!
مَن يقول »لا« للمشروع الإسرائيلي هو، إذن، مَن »يرطن« بلغة غير مفهومة، وتحتاج الى استيراد مترجمين لفك رموز كلماته التي لا تقبلها الأذن الإسرائيلية،
ولن تكون »نعم« الجامعة العربية طريقها إلى المقعد الدائم في مجلس الأمن الدولي، أو إلى المرتبة »العظمى« التي عبّرت عن طموحها إليها بينما هي لا تقوى على الوقوف فكيف بقطع الرحلة الطويلة إلى نيويورك،
ثم إن مجلس الأمن الدولي بات يتشكل من مقعد واحد يحيط به مجموعة مترجمين لا يفهمون إلا العبرية منطوقة بإنكليزية مطعمة بلكنة »السيد الكاوبوي«.

Exit mobile version