طلال سلمان

اهداف متواضعة وممكنة هذا يكفي

لا يتوقع الناس من هذه الحكومة التي لا تفتأ توسِّع عديدها بالرغبة أو باستدراك الخلل الطوائفي، ولا هم يطلبون منها اجتراح المعجزات.
لقد أثبتت لهم تجاربهم، أن »المعجزات« قد تقع، بالمعنى اللبناني للكلمة، في المجال السياسي، أي التمثيل بالتوازن أو التوازن بالتمثيل، ولكنها لا تحدث مطلقا في الاقتصاد وما تفرع عنه ومنه كالديْن وخدمته، وعجز الموازنة وانعدام النمو، والركود وما يتسبب فيه من ضائقة بين عناوينها البارزة انعدام فرص العمل وارتفاع معدلات البطالة وبالتالي التزايد المتفاقم في هجرة الأدمغة لمن استطاع إلى الهجرة سبيلاً.
على أن عشاق »المعجزات« قد رووا ظمأهم، ولو نسبيا، لأن »معجزة« ما قد حدثت عبر النجاح في استيلاد هذه الحكومة، وبأسرع مما توقع المراهنون على صدام الأمزجة وصراع المفترقين على خصام.
ولعل أول ميزة للبيان الوزاري انه قد ابتعد عن المبالغات المألوفة والتعهدات المطلقة التي لا تعني غير استيلاد اليأس المطلق من الحكم والبلاد.
إن التحديات تحتل الشوارع والبيوت والعقول والجيوب ومكاتب الوزراء، بطبيعة الحال.
ولعل أخطر هذه التحديات قد أعلن عن نفسه وبدوي سياسي مثير عبر اختراق الطيران الحربي الإسرائيلي جدار الصوت فوق العاصمة، أمس، وبينما كان رفيق الحريري في طريقه إلى دمشق للقاء الرئيس السوري بشار الأسد، للمرة الأولى بعد عودته إلى رئاسة الحكومة.
أما »جدار الأمان« النفسي فلا تفتأ تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، عسكريين ومدنيين، تخرقه كل يوم بتهديدات تشمل سوريا ولبنان معاً، بينما جنون القتل الإسرائيلي يفتك بالفتية الفلسطينيين العزّل إلا من دمائهم، على مدار الساعة… ولعل الجديد في هذه التهديدات تحريض الولايات المتحدة الأميركية لإضافة اسم لبنان الى قائمة ما يسمى »الدول الراعية للإرهاب«…
ومع أن »البشائر« التي نثرها السفير الأميركي في بيروت حول المساعدات التي يناقشها الكونغرس »لإنعاش المناطق المحررة« تعكس الوجه الأول لقرار سياسي بالضرورة ولا بد من كشف وجهه الثاني قبل الاندفاع الى الترحيب به وكأنه تحول خطير يمنح واشنطن صورة »المنقذ« في لبنان بينما هي لا تقوم بمثل هذا الدور لا سيما في هذه اللحظة إلا مع إسرائيل وفي مواجهة العرب مجتمعين.
… وآخر قرار لمجلس النواب الأميركي بإدانة الفتية الفلسطينيين الذين يستشهدون ليستبقوا لهم »بعض« أرضهم و»بعض« حقوقهم كبشر شاهد إضافي على وجهة السياسة الأميركية واستهدافاتها »العادلة«.
المهم، ان البيان الوزاري المتواضع في وعوده قد تضمن تعهدات طيبة بصيانة الحريات العامة و»منع التجاوزات على حرمة المواطن ومنزله وكرامته، كما على حرمة مكالماته أو استهداف حقه في ممارسة حريته«.
.. وان الحكومة قد تعهدت بأنها ستكون »ضامنة للحريات الإعلامية وراعية للحوار الوطني الديموقراطي بين اللبنانيين«.
ولا بد من التنويه بالإشارة، مع الإعلام وحرياته، إلى »قطاع الاعلان المهم والمتطور والذي قطع شوطا كبيرا في النمو واستقطب أعدادا كبيرة من الشباب اللبناني«، وخصوصا ان بعض الحكومة السابقة كان قد حاول تمرير مشروع قانون يجافي المنطق وروح العصر والمصلحة، ولا بد من استرداده وإتلافه.
أهداف متواضعة مع خطة عمل جدية للتنفيذ، هذا يكفي.
فلبنان ما زال تحت الحصار، إسرائيلياً ومن ثم أميركياً.
أما في الداخل فالكل يعرف حدود الممكن والمستحيل بدءاً بالإصلاح الإداري وانتهاء بخفض النفقات، لا سيما العسكرية منها، ناهيك بخدمة الدين.
ولا نظن أن هذه الحكومة المتشابكة والقائمة على توازن دقيق تستطيع إحداث ثورة لا يتوقعها ولا يطلبها إلا الواهمون أو الذين يريدون شراً بلبنان.

Exit mobile version