طلال سلمان

ان عهد كان مسوولا

فجأة، ومن دون سابق إنذار، اتفق أطراف الحكم جميعا في لبنان على إدانة »العهد« الموشك على الانتهاء، وتباروا في فضح عيوبه ومخازيه، بالفساد المستشري، والنهب المباح للمال العام، وسوء الإدارة الذي يخرّب الجهود الإعمارية، وانعدام المحاسبة، وتفاقم مخاطر الطائفية والمذهبية على السلم الأهلي!
فجأة اكتشفوا أن بناء الدولة قد تعطل، وأن المؤسسات هياكل مفرغة من مضمونها، وأن الصلاحيات متداخلة بحيث لا يعرف أحد حدَّه فيقف عنده.
بعضهم تطرّف، كما رئيس الجمهورية، فذهب إلى حد المناداة بالنظام الرئاسي، والبعض الآخر تحفّظ على التداخل بين برلمان يحكم بلا مسؤولية وبين حكومة مسؤولة وإن كانت غير قادرة على الحكم.
خلاصة الكلام المتفجّر الذي يتناوب عليه أطراف الحكم، الآن، »ان العهد كان مسؤولاً«، ولكنهم يختلفون على تحديد هوية الممثل الفعلي للعهد المقترب من نهايته، والمجتهد لإبعاد »هذه الكأس« بكل الوسائل المتاحة والأسلحة المناسبة..
من هو »العهد«؟!
إن الناطقين باسم العهد أو الحكم أو السلطة عديدون جداً عند التباهي بالإنجازات، بدءاً بالسلم الأهلي وانتهاءً بتزفيت الطرقات واستنقاذ البيئة من خطر الماعز الفاجر!
أما عند المحاسبة، أو عند الحديث عن الأخطاء فيتم تجهيل الفاعل، وإن كان كل طرف لا يعدم الوسيلة ليشير بالإيماء الصريح أو بالتلميح الواضح إلى من كانوا ومن هم الآن فعلاً »شركاء« له داخل المسؤولية وخارجها، فيرميهم بدائه وينسل مبتعداً بنفسه عنهم..
أمس، في تأبين الراحل الكبير عادل عسيران، كاد رئيس الجمهورية يوجه الاتهام صريحاً الى شريكيه في »الترويكا« التي تُمات وتُبعث حية ألف مرة في اليوم، وقد كانا في الصف الأول يتبادلان النظرات شزراً، فإذا هما يصفقان مبتسمين.
أما في الصفوف الخلفية حيث كان يجلس بعض الوزراء والنواب فقد ساد شيء من الارتباك، بينما التهبت أكف الجمهور بالتصفيق لكل كلمة نقد أو اعتراض أو تنديد بالفساد، وسواء أصدرت عن معارض رصين كالرئيس سليم الحص أم عن حاكم منفعل يشكو النقص في صلاحياته كالرئيس الياس الهراوي.
وحده النقد حظي ويحظى بالتصفيق، وبغض النظر عن قائله، وإن رافقت التصفيق أحياناً ابتسامات شاحبة ومثقلة بالمرارة.
هي الأدوار مقلوبة!!
مرة كل يوم، على الأقل، يُساق المواطن مخفوراً ليواجه »المجلس التأديبي« الخاص بمحاسبة المحكومين، فيُجلد جلد البعير الأجرب، لتقصيره في بناء الدولة، وتجاوزه المستمر للدستور والقوانين، واستغلاله نفوذه، وتورطه في عقد الصفقات أو في »ربح« الالتزامات غبّ طلبه، أو في توظيف الطائفية والمذهبية مصعداً يرفعه إلى فوق على حساب الكفاءة والخبرة والآدمية!
عبثاً يحاول المواطن لفت نظر »المجلس التأديبي« الى انه محكوم وليس حاكماً، وأنه يؤمر فيطيع وليس ممن يأمرون فيطاعون.
عبثاً يحاول استعادة كلامه المسروق منه والمعاد تصديره إليه، بحيث يحرم من حق الكلام، إضافة إلى ما يتعرض له من صنوف الحرمان التي تصيبه في حقوقه الطبيعية.
عبثاً يحاول لفت النظر إلى أنه الضحية، في حال خرق الدستور، إذ تهدر حريته، وأنه المجني عليه في حال خرق القوانين أو تعطيلها لأن القانون هو ضمانته الأساسية ومصدر حمايته.
لكن الأدوار تستمر مقلوبة، ويظل المواطن وحده في قفص الاتهام، أو تحت الجَلد.
الطريف أن هذا المواطن المتهم مراراً بأنه قاصر ولم يبلغ سنَّ الرشد بعد، وكسول وبليد ويكره العمل ولا يسهم في إعادة بناء بلاده، يحاسب الآن بعد إدانته بارتكاب جرائم فظيعة وتحتاج الى حيوية فائقة وطاقة هائلة ورغبة عارمة في »الإنتاج« الذي لا يتقنه إلا مَن يعرف »أصول اللعبة«.
متى تتوقف محاكمة المواطن ومحاسبته وجلده على ما يفعله به حكامه؟!
للمناسبة: من يحاسب من على ما أصاب الاتحاد العمالي العام فاستعاد »رئيسه« بعدما فقد اتحاده وعماله وصفته الجامعة ودوره الوطني العام؟!
هل المواطن، أيضاً، هو من دمّر الحركة النقابية؟!
وكيف سيكون العهد الجديد إذا كان الجهد كله الآن مركزاً على تهشيم المؤسسات جميعاً؟!
أم أن ذلك هو شرط لاستمرار العهد الممدّد: يبرئ الرئيس نفسه ويتهم الجميع شركاءه في الحكم، والمواطنين المحكومين؟!

Exit mobile version