طلال سلمان

ان الى عمل

تُختتم مع نهاية هذا الأسبوع جولة جديدة من الحروب الرئاسية التي بات لها مواعيد كالرياح الموسمية، ويُفتتح الأسبوع الطالع بصفحة جديدة بيضاء نقية لا تعكرها غير الهموم الثقيلة للأزمة الاقتصادية.
تكاليف الجولة الجديدة من الحروب كانت محدودة جداً لا تزيد بكثير عن المليار من الدولارات… وهو ثمن بخس إذا ما كان مردوده صفاء الأمزجة، وهدوء الخواطر الفائرة، والتخلي عن أوهام الاستقواء على الحكم بخصومه، أو الاستقواء على الموقف السياسي بالاقتصاد المتهالك، والعكس بالعكس.
لقد دفع المواطن المليارات من الدولارات، حتى اليوم، ومستقبل أبنائه مرهون للديون التي تقترب بشكل حثيث من الثلاثين ملياراً من الدولارات.
ولقد تواضع هذا المواطن في أحلامه، بعد سلسلة التجارب المريرة، فلم يعد يتطلّب من الحكم أن يبدع من الخطط ما يعيد لبنان إلى حال من الانتعاش والازدهار يتوقف معه نزفه اليومي في شبابه المؤهل، ويستعيد معه ثقته بليرته، وما يحقق الإصلاح الإداري المنشود الذي بات يقرن بالغول والعنقاء والخل الوفي، فضلاً عن الإصلاح السياسي الذي قاعدته قانون انتخابي عادل ومحقِّق للديموقراطية على حساب الطائفيات والمذهبيات التي تنهش من لحم الدولة فتنهكها وتسيب مؤسساتها وتقفل أبوابها أمام الكفاءات والخبرات الشابة وأصحاب المؤهلات العالية والشفاعات الواطئة الممنوعين من دخول جنة الإدارة.
نظرياً: يفترض أن يكون أهل الحكم قد أفادوا خبرة ومعرفة من هذه التجربة المرة التي عصفت بالجميع فشرذمتهم وأضعفت البلاد موفرة مادة دسمة للتشهير بالسلطة وأجهزتها، ولتزكية الاتجاهات المتطرفة والمشبوهة بتقديمها وكأنها حماة الديموقراطية أو ضحايا أعدائها من دكتاتورية العسكريتاريا.
عملياً: ليس بين أهل الحكم مَن يمكنه أن يدعي أنه قد ربح الحرب، ولكن الحكيم من بينهم هو ذلك الذي يسعى لتحديد خسارة الحكم مجتمعاً، وبالتالي البلاد جميعاً.
الطريف أن المعارضات المتعددة الرايات والأهداف تظل أعجز من أن توظف خسائر الحكم لمصلحتها، إلا بالمعنى السلبي، فالشعبية التي انفضت من حول أهل الحكم لم تذهب إلى المعارضين بل إلى اليأس من »الوضع« و»القيادات« و»المرجعيات«، بكل أصنافها.
نظرياً: كان أهل الحكم يُطمئنون الناس إلى وحدة موقفهم من الثوابت، سواء في السياسة واستطراداً في الأمن أو في الاقتصاد.
عملياً: تبيّن أن أهل الحكم جبهات متعارضة، يقاتل فيها صاحب الموقف السياسي صاحبَ المشروع الاقتصادي، والعكس بالعكس، فيختل الأمن وتهتز الأرض، خصوصاً أن كل طرف يسعى إلى تحالفات »من خارج الخط« للاستقواء على »خصومه« الذين داخل البيت.
ولفترة، تبدّى جلياً أن الحكم، وبالتالي البلاد ككل، قد خسرت في السياسة وفي الأمن (استطراداً) وفي الاقتصاد أساساً وعلى وجه الخصوص.
لقد آن الأوان ليتوحد الحكم، بأطرافه جميعاً، على موقف سياسي ثابت وموحد يمتد من داخل الداخل إلى مزارع شبعا، تُطوى معه صفحة المناورة على هامش الخط الأزرق، والترويج للمطلب الإسرائيلي بنشر الجيش على امتداد الحدود مع فلسطين المحتلة، ومحاولة استرضاء مَن لا يرضيه إلا الخضوع للشروط الإسرائيلية.
كذلك آن الأوان ليتوحد الحكم حول »خطة اقتصادية« محددة وموحدة، تستبق الكارثة التي بدأت تلقي ظلالها السوداء على البلاد، وترسم الخطوات الضرورية لمواجهة غول الدين العام، بدءاً بخدمته الباهظة.
إن أثقال الدين العام تفرض اعتماد خطة وطنية شاملة وغير شعبية ولكنها ضرورية، ولا مجال للتهرب بعد من إقرارها والالتزام بها.
وبدروس التجربة المعيشة خلال سنوات المقاومة للتحرير، يمكن الجزم بإمكان الالتزام بنهج اقتصادي مثمر يساعد على كسر الحلقة الجهنمية للدين العام وخدمته المكلفة من دون تنازلات سياسية لا يطيق لبنان أن يدفعها حرصا على سلامته في الحاضر والمستقبل، وليس كرمى لعيون سوريا أو فلسطين.
عسى أن يكون الكل قد تعلموا من التجربة المرّة ما يجنّبنا المزيد من الهزات التي ستظل أعجز من أن تغيّر فوق، مع أنها ستدمر… تحت!
أي أنها ستدمر لبنان واللبنانيين.
مبروكة المصالحات… والآن إلى العمل!

Exit mobile version