طلال سلمان

انغام شخص واحد بين عمان ودمشق

صار المشهد تقليديù إلى حد العبثية، وكذلك توصيفه المتكرّر بالمقدمات والاستنتاج:
لكل انحراف خطير تغطيته النارية،
من مقدمات كامب ديفيد وحتى اختتام مؤتمر عمان الاقتصادي،
ومن الميل الأول في رحلة »مؤتمر مدريد« الذي وُلد في رحم »حرب الخليج الثانية« قبل ثلاث سنوات، وحتى زيارة كريستوفر الاعتذارية أمس لدمشق،
لا بدَّ من دوي المدافع لتغطية »التقدم« بالمفهوم الاسرائيلي، و»الانهيار« بالمفهوم العربي، لتكتمل عدة »الحدث التاريخي«،
ولا بدَّ من شيء من الدم ليستكمل الاحتفال عدته التزيينية، أو لإيفاء مسيرة التراجع الجنائزية حقها العاطفي المؤثر!
و»حقل الرماية« مفتوح للنار الإسرائيلية على امتداد مساحة لبنان بدءù من جبل عامل وانتهاء بجبل عامل مع محطات طارئة قد يفرضها الاحتياج أو قد تتطلبها شروط الإثارة السينمائية القابلة للتوظيف سياسيù.
… فكيف إذا اجتمع »حدثان« خطيران يتكاملان في المضمون وإن بدا بعض التعارض »الشكلي« في وظيفة كل منهما: القمة الإسرائيلية ذات الشعار الاقتصادي في عمّان الهاشمية وتحت الرعاية الأميركية، ثم الزيارة الاستثنائية الطارئة التي قام بها ،أمس، وزير الخارجية الأميركي لدمشق بعدما اطمأن إلى »الانجاز« التاريخي في المدينة التي بنيت خصيصù ليقوم فوقها العرش الممهّد والمهيئ لما سيكون في ما يليها من عواصم كانت عمّان بعض ريفها المنسي.
اللهم إلا إذا كان المهرجان الناري الذي كوت به المدافع الإسرائيلية معظم أنحاء الجنوب، أمس، ذروة الابتهاج بجريمة اغتيال المجاهد العربي الفلسطيني البارز الدكتور فتحي الشقاقي، والاعلان عن مباشرة التمهيد لجريمة أوسع نطاقù وأعظم أثرù تستهدف رفاق الشقاقي في »حركة الجهاد الإسلامي« أو في »حزب ا”« أو في »حركة حماس« وسائر التنظيمات التي اتخذت من دم المجاهدين طريقù إلى التحرير.
* * *
الضيافة الهاشمية تطلق اللسان الإسرائيلي بالحكمة و»الموعظة الحسنة«،
وإذا كانت هذه الضيافة المتميزة قد بهرت المشاركين في قمة عمّان السياسية المموّهة بالشعار الاقتصادي، فهي قد وفّرت الفرصة الذهبية لرئيس الحكومة الإسرائيلية إسحق رابين كي يعبّر عن زهوه بإنجازه التاريخي، معنى ومبنى وتوقيتù.. قال:»إنه قد ترك مكتبه في القدس، العاصمة الموحدة والأبدية لدولة إسرائيل، قبل ساعة فقط فكان في عمّان في الموعد بالضبط للمشاركة في افتتاح المؤتمر، وأنه عائد إلى بيته في القدس خلال دقائق، فيستطيع أن يتناول عشاءه ساخنù مع أسرته«.
أما وزيره شريكه حليفه منافسه وصديقه اللدود شمعون بيريز فقد نطَقَ بالحكمة مصفاة.. قال:
»لا يمكننا أن نرقص جميعù على أنغام شخص واحد«.
ولقد جاء هذا التعليق على لسان بيريز في مجال »لومه« الرئيس السوري حافظ الأسد على البطء في سعيه إلى »السلام«،
أما الطرافة، وأما المفارقة فهي أن شمعون بيريز قال هذا الكلام بينما هو »ضيف الشرف«، بل الرئيس الفعلي لمؤتمر عمّان، مفترضù أن وجوده »عند باب دمشق« يجعل صوته مسموعù فيها بوضوح…
وأما في خلفية الصورة فيظهر حشد المؤتمرين، من مسؤولين رسميين وعسس متعدد الجنسية و»هبّاشين« ينتحلون صفة »رجال الأعمال«، والكل يرقصون ومعù على أنغام المزمار الإسرائيلي، ووفقù للنوتة التي صاغتها عبقرية بيريز نفسه.
من عمّان الهاشمية الفلسطينية (؟)، ومن فوق »قمة عربية« لم يسبق أن تلاقى أطرافها وأجروا مثل هذه المناقشات العملية والمحددة والمفيدة، لا في إطار الجامعة العربية ولا في إطار أي تحالف أو مجلس تعاون أو اتحاد عربي، يرفع شمعون بيريز صوته بالترحّم على أنور السادات، شاكرù ا” أن بطل كامب ديفيد »لم ينتظر حافظ الأسد، ولا انتظره ياسر عرفات أو الملك حسين«.
لكم هي ساحرة أنغام ذلك المزمار الإسرائيلي،
لكنها لم تصنع »سلامù«، تمامù كما أن وهم السلام الذي استولدته السرعة القياسية في تلبية الشروط الإسرائيلية لم يستطع »إنجاب« الازدهار الاقتصادي ولا هو أنبت في الصحراء حقولاً من المصانع والمزارع ومشاتل الدولارات، وعجز عن انتزاع ما يكفي من الرساميل لإقامة بنك تنمية المشروع الإسرائيلي للهيمنة على المنطقة بالمال العربي.
والطرافة تتجاوز بيريز إلى نظيره الأميركي كريستوفر وهي تكمن في المقارنة بين »فعله« في عمّان وبين »كلامه« الاعتذاري في دمشق،
وصحيح إن ما يجري في عمّان سيكون له صداه في العاصمة السورية،
لكن الصحيح أيضù أن الموقف السوري، بما يتسم به من »بطء« وهي التسمية الإسرائيلية للصمود، قد فعل أكثر مما كان يقدّر منظمو قمة عمّان في هذه »القمة« وفي »المشاركين« فيها.
وقديمù نصح العقلاء بتجنّب السرعة، وكتبوا على الطرق: لا تسرع، فالموت أسرع!

Exit mobile version