طلال سلمان

انتفاضة شهداء اصوات لباراك

»أتينا لعقد الزواج، وليس من أجل الطلاق«،
بهذه الكلمات لخّص شيمون بيريز دلالات لقائه ياسر عرفات في منتدى دافوس، وسط شهود »الحفل« من أثرياء النظام العالمي الجديد، ولعله كان يلخص أيضاً الدلالات المستخلصة من »شهر العسل« الإسرائيلي الفلسطيني في طابا المصرية والتي جعلت الطرفين »أقرب واحدهما إلى الآخر مما كانا في أي يوم«!
أما الصورة ففضّاحة في دافوس السويسرية كما في طابا المصرية، لأنها تقع دائماً خارج السياسة، وليس فقط خارج العداء أو الخصومة أو حتى أصول التفاوض بين مختلفين على ملكية عقار!
ما علينا من الصور، ومن كلام الدعاية الانتخابية.
لنلتفت إلى أساس الموضوع الذي لا يمكن أن تطمسه التكتيكات الصغيرة، فلقد سال من الدماء ما يكفي لكي تظل الحقيقة أقوى من أن تخفيها المناورات والحيل وأصناف الدجل السياسي المحيط بالمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، التي أعلن وقفها (؟!) رسميا إلى ما بعد إعلان نتائج الانتخابات التي يخوضها باراك بأجداث شهداء الانتفاضة وليس بنصوص مقترحات بيل كلينتون، المقبولة من حيث المبدأ المرفوضة عمليا ومن الطرفين معا، وكل لأسبابه.
أساس الموضوع أن العرب عموما والفلسطينيين على وجه الخصوص يخسرون بعضا مما تبقى من فلسطين في كل معركة انتخابية إسرائيلية… لكأنها »ضريبة« أو »دية« يتوجب دفعها لملوك إسرائيل، وهي »دية« تصاعدية: تدفع أكثر للأعظم تطرفاً استدراراً لرأفته ورحمته وبذريعة »غوايته« للتخفيف من تطرفه ودمويته!
الطريف أن العرب ومن خلف الفلسطينيين يدفعون الضريبة مضاعفة: إذ يدفعون كثيرا للخاسر، ثم يدفعون أكثر للرابح! ويدفعون عن الرابح كما يدفعون عن الخاسر!
من رابين اتفاق أوسلو، إلى بيريز اتفاق الخليل، ومن نتنياهو مشروع اتفاق »واي«، إلى باراك مشروع اتفاق »كامب ديفيد 2« تتكرر فصول المأساة المهزلة: ندفع ثمن »التفاوض« مضاعفا، وبغير أي ضمانة حول النتائج. وغالبا ما يكون الهدف من الطلب أو من القبول فعل التفاوض ذاته وليس ما يمكن أن ينتج عنه.
وكان الظن أن الانتفاضة قد أجبرت المعنيين على تغيير معادلاتهم والمقاييس،
لكن ما جرى خلال الأيام القليلة الماضية أكد أن لا شيء قد تغيّر في ذهن القيادة الفلسطينية أو في أساليب عملها وتكتيكاتها التي لا تتناسب مع جلال الدم المراق على مذبح الحرية ومطلب الاستقلال.
إن سلطة عرفات تحاول أن توظف شهداء الانتفاضة في المعركة لإنجاح إيهود باراك، بذريعة خادعة مضمونها: ضرورة التصدي للسفاح أرييل شارون وإسقاطه.
إنها تحاول تعبئة الدماء الفلسطينية في صناديق الاقتراع الإسرائيلية دعماً لهذا الذي أمر فقتل ودمَّر البيوت والقرى وضاعف عدد المستوطنات في الأراضي التي يفترض أن تؤول بالنتيجة إلى السلطة الفلسطينية.
وهي تحاول الإيحاء بأن »الشهداء« يفضلون قاتلهم باراك على قاتل آبائهم شارون الذي ليس كمثله في الإجرام أحد.
أي أنها تريد توظيف الانتفاضة، بكل أمجادها وشرف شهدائها، في خدمة من واجه فتيتها بالرصاص فقتلهم، بغير رحمة،
لكأن الغاية من الانتفاضة التي فجَّرها تواطؤ باراك مع شارون أن تنصر الآن باراك على شارون. لكأنها مطية أو أداة أو سلاح انتخابي للذي تسبّبت دمويته في تفجرها وفي إدامتها حتى اليوم. مع أن انطلاقة الانتفاضة دليل دامغ على تواطؤهما العلني.
وسيكون مثيراً للشفقة حتى الانكسار أن يقال في رثاء هؤلاء الشهداء: لقد أعطيتم أرواحكم رخيصة من أجل أن يبقى باراك في الحكم، فتستمر بالتالي المفاوضات التي يصعب تخيّل نهاية واضحة لها.
لماذا تضع السلطة الفلسطينية ومعها العديد من الأنظمة العربية نفسها في موقع »الطرف« المباشر في صراع داخلي إسرائيلي، تخسر مع الخاسر فيه ولا تربح مع الرابح؟!
إن الورقة الفلسطينية قوية جدا طالما أنها تستعصي على الاستخدام من طرف هذا أو ذاك من المتنافسين المتماثلين تطرفا وشراسة ودموية..
أما إذا هانت على أهلها فصارت »ورقة مساومة« فإنها ستتهاوى قوة وتأثيرا كسلعة رخيصة.
التأثير ليس بالانحياز لهذا الطرف أو ذاك. التأثير بإظهار أن أحدا لن يستطيع أن يحكم في إسرائيل طالما ظل محكوماً بعنصريته وبإحساسه بالتفوق المطلق ثم بشعوره أنه قادر على »توظيف« المقدّس الفلسطيني (العربي الإسلامي) لحسابه وفي معركته الشخصية.
لن يستطيع باراك أن يصغِّر قضية فلسطين لتصبح بحجم قبضة يده،
ولن يستطيع شارون أن يكبر ليصير قادرا على الإحاطة بقضية فلسطين،
فلتكن فلسطين كما أثبتت جدارتها بأن تكون قوية بحقها وباستعداد شعبها للمقاومة نداً لإسرائيل كلها وليس مجرد ساحة لصراع ثيرانها، وتحت شعار من منهم الأقدر على تقزيمها بما يمكنه من توظيفها لمصلحته.
فلسطين أكبر من أن تحصر في صندوق المفاضلة بين اثنين من مجانين القتل الإسرائيلي.

Exit mobile version