طلال سلمان

انتصار دولة ديموقراطية

لا يمكن أن تحتسب »الدولة« في عداد الخاسرين في أي ممارسة ديموقراطية، أي انتخابات، وكائنة ما كانت النتائج… فالانتخابات هي شهادة الميلاد للنظام الجمهوري الديموقراطي البرلماني.
وبالانتخابات تقوم مؤسسات الحكم جميعا: المجلس النيابي، رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء. و»الرئيس« يستمد قوته من القوة التمثيلية للمؤسسة، وهو لا يغني عنها، وخصوصا أنها مصدر شرعيته، والتزامه بأسس شرعيته هو مصدر قوته.
تخسر »الدولة« إذا كانت مؤسساتها شكلية، ظاهرها ديموقراطي ولكنها »مفروضة« بالأمر أو بالتعيين أو بالانتخاب الشكلي الذي يذهب بمضمونها ويحرمها من علة وجودها: أي أن تكون معبّرة عن الإرادة الشعبية ومجسدة لحق الاختيار… أي للديموقراطية.
تخسر »الدولة« متى اختُزِلت في أفراد ورأوا أنفسهم أو زيَّن لهم المنافقون أو المنتفعون أنهم بديل من المؤسسات، أو أن قوتهم تأتيهم من خارجها وعلى حسابها، وأنهم »يحضرون« ويحتلون مكانة أرفع كلما غيَّبوها أو »استوعبوها« فتحولت إلى أدوات زينة لا تنفع في خداع الناس بأنها تمثلهم وتجسد طموحهم بل حقهم في الديموقراطية، بل هي تكشف الحكم وتظهره بعيدا عن ناسه.
وفي بلد كلبنان فإن المؤسسات شرط حياة للدولة ومن ثم »للكيان«…
فمتى غابت المؤسسات لم تسقط الديموقراطية فحسب، بل ان الطائفية ستتقدم لتجتاح الدولة.
وعلى سبيل المثال لا الحصر يمكن قراءة نتائج الانتخابات في الشمال وجبل لبنان عبر منطقين مختلفين تماما:
{ بمنطق الدولة كمؤسسات محققة ومعبرة عن »التوازن الوطني« فإن الذين فازوا هم قادة أو ممثلون لتيارات سياسية حقيقية.
وبالمنطق المعادي للدولة، كمؤسسات، تتحول النتائج إلى انتصار طوائف على طوائف، ومذاهب على مذاهب، ومسؤولية الحكم جليلة وحاسمة في هذا السياق: فهو إن انزلق أو أُغري بالانزلاق إلى موقع الطرف خصما لهذا أو حليفا لذاك تعدته الخسارة لتصيب الدولة نفسها، وتهشمت المؤسسات لأنها ستبدو وكأنها مجرد مشاعات تتناهبها الطوائف على حساب الدولة… وأساسا على حساب مراجعها الأساسية.
بمنطق الدولة فكل من انتصر بالانتخاب الديموقراطي إنما يجيء إليها، ويعزز شرعية مؤسساتها، وبالذات منها مؤسسة الرئاسة.
أما بالمنطق الشخصاني الذي يتعمّد تلخيص المؤسسات في أفراد، فإنه يقرأ نتائج الانتخاب والممارسة الديموقراطية وكأنه انتصار لطائفة على طائفة، أو لمذهب على مذهب، بحسب انتماء المصنف منتصرا والمسؤول المصنف مهزوما.
وأمس، وجد من قرأ نتائج الانتخابات وكأنها في بعض جوانبها انتصار للدروز على الدولة، أو انتصار للسنة على الدولة، أو انتصار للموارنة على الدولة.
إن إضفاء طابع طائفي على النتائج لإخراجها من السياسة لن يؤدي إلا إلى إضعاف »الدولة« وامتهان الإقبال الشعبي على ممارسة الحق الديموقراطي والاقتراع بكثافة من أجل بناء مؤسسات شرعية تعزز قوة الدولة ومن ثم حكمها: فحكم دولة قوية بمؤسساتها شرف عظيم ومسؤولية خطيرة، ومصدر اعتزاز لمن ترفعه إرادة الناس الى هذا الموقع.
لم يقترع أحد، أمس الأول، ضد الدولة.
لقد تدفق الناس الى أقلام الاقتراع ليستحضروا الدولة لا ليلغوها لحساب الطوائف.
والديموقراطية، مرة أخرى، شرط حياة للدولة، ومبرر وجود للحكم.

Exit mobile version