طلال سلمان

انتصار اسرائيلي على عالم

من دون طلقة رصاصة واحدة…
.. ربحت إسرائيل «حرباً» جديدة بانسحاب «الخصم» الافتراضي ـ أي أوروبا ـ الذي سارع في العودة إلى موقع الحليف الأبدي، في ظل تغطية سياسية شاملة وفرتها الإدارة الأميركية مطمئنة إلى غياب عربي مطلق عن المواجهة لانشغال أهل النظام العربي بهمومهم الداخلية التي تسحبهم ـ ومعهم السلطة التي لا سلطة لها ـ بعيداً جداً عن فلسطين جميعاً فكيف بخوارج غزة وأهلها المحاصرين؟!
على امتداد أسابيع طويلة، خاضت إسرائيل ـ سياسياً ودبلوماسياً وأمنياً ـ حرباً شرسة استخدمت فيها موقعها المميّز (بل صاحب الأمر) لدى الإدارة الأميركية، وعلاقاتها التي تتعاظم رسوخاً وحميمية مع الدول الأوروبية التي كانت ـ من قبل ـ تحسب حساباً لمصالحها مع «العرب»، أو تتجنّب استفزازهم، ثم أسقطتهم من أي حساب…
… وهكذا تبعثرت قافلة الحرية من قبل أن تبدأ رحلتها نحو غزة،
لم توفر إسرائيل سلاحاً من المصالح أو النفوذ أو التهديد، اقتصادياً أو سياسياً أو أمنياً، إلا واستخدمته: مع الأمم المتحدة التي باتت مجرد ختم للمصادقة على أي قرار أميركي، مع سويسرا (بائعة الإسمنت) و(بائعة السفن) أو مانحة بوالص التأمين لركابها أو للسفن ذاتها، وتركيا التي سحبت تأييدها لانطلاق السفن منها، واليونان التي ساعدت الأمن الإسرائيلي في تخريب عدد من تلك السفن فيها، وقبرص، نقطة الانطلاق المفترضة..
بل إن الضغوط ـ التهديدات الإسرائيلية، جعلت العديد من الدول الأوروبية تحذر رعاياها من المشاركة في القافلة.
كان المفروض أن تنطلق الحملة الأوروبية لنجدة شعب فلسطين المحاصر في غزة بخمس عشرة سفينة، وانتهى الأمر بسفينة واحدة حاول المتطوعون فيها استنقاذ الشرف الأوروبي فانتهوا أسرى للجيش الإسرائيلي الذي اقتادهم من عرض البحر إلى ميناء أسدود في الأرض الفلسطينية المحتلة!
.. حتى سيراليون كانت هدفاً للضغط الإسرائيلي لأن واحدة من السفن كانت مسجلة فيها وتحمل علمها الأفريقي المطعّم بصداقة عربية معتقة.
ليس الخبر في «الحرب» الإسرائيلية ـ فهي حتمية ـ بل في هذه الاستهانة الأوروبية بالعرب عموماً، وبالذات منهم أهل النفط الذين ـ بعيداً عن السياسة ـ يملكون القدرة على الضغط بالذهب الأسود، أو الأصفر، حين تدعو الحاجة، وفي مسائل أقل شأناً بما لا يقاس من فك الحصار المضروب على غزة منذ أربع سنوات طوال (عذراً: لقد نسينا أن هذه الدول العربية تساهم في هذا الحصار وتقاوم كل جهد قد يبذل من أجل رفعه..).
ثم هناك الدول العربية غير النفطية والتي كان لها، ذات يوم، قدر من التأثير أو النفوذ أو المصالح التي تفيد في فرض حسابات معقدة، على الدول الأوروبية حين تقرر موقفاً استفزازياً، أو أقله غير ودي من القضية التي كانت مقدسة فأضحت ساحة بازار دولي أضعف أطرافه هم الفلسطينيون… خصوصاً بعدما اندفعوا نحو سراب «السلام» إلى حد طلب «الدولة» من الأمم المتحدة!
نعرف سلفاً أن ليس بين أهل النظام العربي (والسلطة الفلسطينية من ضمنه وفيه) مَن سيتوقف لحظة ليسأل عن حقيقة ما جرى لقافلة الحرية، ليعرف فيعاتب ـ مثلاً ـ أصدقاءه الأوروبيين الذين تشتري منهم الأنظمة العربية من السلاح (فقط) ما يمنع المزيد من الانهيار في اقتصادهم المنهك، أقله في أربع أو خمس من دول أوروبا الكبرى.
ونعرف سلفاً أن الإدارة الأميركية ستهنئ الحكومة الإسرائيلية على حكمتها في إدارة هذه «الحرب» والانتصار فيها من دون إطلاق رصاصة واحدة.
ونعرف سلفاً أن أهل النظام العربي سيتابعون حياتهم «الهانئة» كالمعتاد، فأين هم من غزة، ومن قافلة الحرية، ومن سلوك أوروبا تجاهها، ومن التغطية الأميركية الشاملة لهذه الحرب الإسرائيلية… إنهم غارقون في حروبهم على شعوبهم يحاولون وقف الانتفاضات التي تكتسح الدنيا العربية كعاصفة من نار، ويهمهم ـ في هذه اللحظات ـ ألا يستفزوا الغرب فيندفع في حملته عليهم إلى حد القطيعة ومناصرة خصومهم!
وإنها لمفارقة موجعة أن تربح إسرائيل حروبها على شعب فلسطين، ومن خلفه الأمة جميعاً، من دون طلقة رصاص واحدة، بينما الرصاص «العربي» يوجه إلى صدور أولئك الشبان الذين كانوا ـ في حساب فلسطين ـ أهل نجدتها… براً وبحراً وجواً.

Exit mobile version