طلال سلمان

انتخبوا ابن ابية وابن عصرة

أنجز السوريون ما عليهم: أعادوا انتخاب حافظ الأسد في نسخته الجديدة الواعدة، نجله بشار الأسد، لرئاسة الجمهورية.
لم ينتخبوا الماضي، وإنما أرادوا تجديد الثقة بنهج سياسي ملتزم، وطنيا وقوميا، بقدر ما عبّروا عن رغبتهم العارمة في تحديث النظام وتطوير الإدارة وإنعاش الاقتصاد من ركوده المريع، وفتح النوافذ التي أقفلت بذريعة الحصار والتهديد الخارجي المستمر ومقتضيات المواجهة مع العدو الإسرائيلي.
الكل يعرف أن حافظ الأسد كان يريد، بل أنه أعلن نيته على التحديث والخروج إلى العالم ومواجهة تحولاته بغير خوف، وبغير انبهار قد يؤدي الى كوارث، إذ هي تدمر إنجاز الماضي من دون أن تنجح في نقل البلاد إلى المستقبل.
وحين أطل الدكتور بشار الأسد على الحياة العامة، من باب السؤال عن أسباب الجمود، والمناداة بضرورة الاعتراف بالتحولات، والإلحاح على ضرورة تطوير النظام المهدد بالاختناق في قلب الخوف والروتين القاتل للمبادرة، وما نجم عن هذا وذاك من انحرافات وفساد وتعطيل مقصود لمحاولات التغيير والخطوات التمهيدية للإصلاح الجدي المطلوب، استبشر الناس خيرا، واعتبروا ان حافظ الأسد إنما يقوم بحركة تصحيحية جديدة، ولنظامه هو هذه المرة، بعد طول انشغال بالمواجهة مع العدو على حساب هموم الداخل، والتي باتت ثقيلة جدا بحيث تضعف النظام في الداخل والخارج معا.
على هذا لم ينتخب السوريون بشار الأسد لأنه »حافظ أسد« ثانٍ، بل لأنه »حافظ أسد« جديد، ابن أبيه وابن عصره أيضا، وليس لأنه يحمل تراث أبيه فحسب، بل لأنه يحمل رؤيا جديدة مختلفة بقدر اختلاف الزمان والمفاهيم بين الجيلين، وخصوصا انه قد بات للزمان وقع آخر، فلم يعد يقاس بالقرون أو بالعقود أو حتى بالسنين بل بالشهور والأيام والساعات… حتى لا نقول ب»الفمتو ثانية« التي اكتشفها العالِم العربي المصري الدكتور أحمد زويل، ونال عليها جائزة نوبل.
ولم ينتخب السوريون بشار الأسد لأنه »بعثي«، بل لأنه يمثل جيلا جديدا ومختلفا من البعثيين، لا هو أسير التحجر العقائدي الذي ثبت فشله فكان سقوطه عظيماً، ولا هو مبهور بالانفتاح الذي يقطع الإنسان عن واقعه وجذوره وينكر عليه هويته ويذروه في ريح الليبرالية المتوحشة.
ولم ينتخب السوريون بشار الأسد لأنه »عسكري«، وهو لم يدخل الجندية إلا مضطراً، بل لأنه عبّر عن إيمانه بالإنسان وبقيم الحرية والعدالة، بالديموقراطية وحق الاختيار، وحق المعرفة في عالم بلا حدود لا يمكن الحجر فيه على المعلومات، ولا يمكن فيه التستر على الأرقام المغلوطة قصداً لإخفاء العورات والإخفاق والاختلاسات والارتكابات!
لقد باتت المعرفة متاحة لكل الناس، مَن لم يعرفها من مصدرها الطبيعي في الداخل، وصلته من مصادر متعددة في الخارج تتداخل فيها الحقيقة العلمية مع الغرض السياسي، فتشوّه البلاد بنظامها ومؤسساته وأهلها جميعا.
إن سوريا تتمتع بمكانة سياسية ممتازة، عربيا ودوليا،
والشعب السوري لم يتخلف يوما عن أداء واجبه القومي، لا سيما على أرض المعركة القومية الأساسية، فلسطين، وكل ما فرضته موجبات الصراع العربي الإسرائيلي. وكان بين مصادر اعتزازه بحافظ الأسد أنه الرجل الذي اتخذ القرار بالحرب، وأنه الرجل الذي ظل على التزامه بعد تساقط الرفاق! وانه الرجل الذي ظل يقاوم الاستسلام ويقدم نموذجا فذاً للصمود حتى الرمق الأخير، فلم يضعف أمام تهديد ولا أمام إغراء.
كذلك فإن الشعب السوري قد تحمّل أعباء بناء سوريا الحديثة التي تشهد لحافظ الأسد بأنه حاول وضمن أقسى الظروف أن يبني دولة قوية على أنقاض مجموعة من الصراعات التي كادت تضيع الوطن بدولته وشعبه،
وواضح من خلال الاستفتاء الذي رفع بشار الأسد إلى سدة الرئاسة، أن الشعب السوري مستعد لخوض معركة الاندفاع في معركة التحديث والتجديد مهما غلت التضحيات، بل ان هذه كانت بين مسوغات كلمة »نعم« التي قالها بغزارة.
قال السوريون »نعم« لبرنامج بعضه معلن ومعظمه ما زال مضمرا، يفترض أن يسمعوه وبشكل محدد من بشار الأسد الرئيس في خطاب القسم يوم الاثنين المقبل، ويفترض ان يعيشوه، فعلياً، في العهد القديم المجدَّد، والذي يطمحون لأن يحققوا فيه ما كان في نية حافظ الأسد أن يحققه معهم وبهم لسوريا الحديثة.
ليس بشار الأسد مجرد امتداد لحافظ الأسد،
إنه في نظر السوريين حافظ أسد جديد منتدب لمهمة أصعب في عصر مختلف، وهم قد أدوا واجبهم فقالوا له: »نعم«، غير محددة.
وهم يعرفون أنه سيرد عليهم التحية بأحسن منها فيقول مختتماً مواكب العزاء والتهاني: الوقت ضيق والمهمة ثقيلة، فهيا إلى العمل!

Exit mobile version