طلال سلمان

انتخاب مجلس ادارة كيان

بين أبرز الظواهر في انتخابات الألفين عودة أو إعادة أو استعادة »جبل لبنان« إلى اللعبة السياسية، بعد غياب أو تغييب أو »استغابة« طالت أكثر مما يجب، واتخذت أشكالاً وتسميات وتوصيفات »أخلاقية« أو »اعتبارية«، بينها »الإحباط« وبينها »الاستنكاف« وبينها طغيان الشعور بالعبثية وبالعجز عن التأثير عدا عن تغيير القرار.
هذه العودة أثارت وما زالت تثير عواصف من الكلام الذي يبدو في ظاهره سياسيا، لكن مضمونه يظل أقرب إلى استعادة لغة الزمن القديم منه إلى فتح أبواب المستقبل والتفكير فيه.
بل لعله يمكن القول على حد تعبير بعض الظرفاء، إنه ما إن استعاد جبل لبنان اعتباره الانتخابي حتى بادرت مرجعياته وزعاماته المفترضة أو المفروضة إلى إعادة ترسيم حدود »الكيان«، فإذا هي تقف عند المديرج شرقا، ووادي قنوبين شمالاً، و»الغرفة الفرنسية« في أعلى قمم صنين في الشمال الشرقي، و»الكانتون الأرمني« في الشمال الغربي.
لا بيروت في الكيان القديم، الأزلي الأبدي السرمدي،
ولا جنوب بطبيعة الحال، ولا البقاع إلا أقله، ولا الشمال في ما وراء حدود »المردة«.
والكيان القديم قائمقاميتان، فإذا ما اتسع فمتصرفية.
ضمن هذه الحدود »السياسية« و»الطائفية«، ضمناً، لهذا الكيان، يمكن التخفف من كثير من الشعارات السياسية الفضفاضة مثل »الإنماء المتوازن«، واستعادة دور لبنان العربي والمقاومة والتحرير إلخ..
وهكذا تبدو حروب الانتخابات الجبلية الراهنة وكأنها استئناف »لحروب« ما قبل الحرب الأهلية، وأحيانا لحروب ما قبل الاستقلال، بل وربما ما قبل إعلان »دولة لبنان الكبير«.
بهذا المعنى يصبح مفهوماً أن تتركز الشعارات والهتافات والخطابات والتصريحات على »خصوصيات الامارة« المعنية أو الشهابية لا فرق، وأن يطل شبح »مرهج« بوصفه »الغريب« و»مربى القلاع السود«، وأن يتم استنفار العصبية الجبلية لمواجهة الخطر الآتي من الشرق، ودائما من الشرق، أما الغرب فموطن الحليف الكبير ومصدر الأمان والازدهار وشرانق الحرير.
ومع أن الخطاب السياسي لمجمل المرشحين في مختلف مناطق لبنان ليس أرقى بكثير من خطاب الزعامات الجبلية، التاريخية أو الطارئة والمستنبتة حديثا، فهو مثلها »محلي جدا«، ومثلها بنبرته الطائفية أو المذهبية، إلا أنه خارج الجبل أكثر انفتاحا وأكثر احتراما للجغرافيا السياسية، وأقرب الى الإقرار بالتحولات الاجتماعية والاقتصادية ومن ثم السياسية التي أعادت صياغة لبنان.
فالمعارضة في الجبل تبدو محلية بل وبلدية أكثر منها سياسية، فإذا ما لامست السياسة فمن باب استنفار العصبية بالحديث عن الوجود السوري، وهو حديث يكاد يستعيد خطاب أيام الانتداب الفرنسي.
أليست هذه جميعا مؤشرات على عودة »المارونية السياسية« مركزا للاستقطاب والفرز؟!
وفي منطق »المارونية السياسية« تظل بعبدا أهم من بيروت، كما تظل باريس أقرب من دمشق وأولى بالاهتمام والرعاية، ويظل لبنان كيانا يُمنع عليه أن يصير وطنا، وتظل »الجمهورية« اسما حركيا للإمارة القديمة، حيث الشمال والجنوب والبقاع مجرد ملحقات تستمد قيمتها بالتبعية للجبل، فإذا ما خرجت على طاعته أو طالبت بحقوقها في »وطنها« وجب تأديبها بشطب المجلس النيابي كله من مراكز القرار.
بعد غد، إذاً، يتم انتخاب »مجلس الإدارة الجديد«، والباقي تفاصيل!

Exit mobile version