طلال سلمان

انتحاريون في دولة طائفة

للطوائف قدرة على التهام الدول وتدمير مؤسساتها.
أقصر الطرق إلى إسقاط الدولة أن تتسلمها طائفة، لا سيما في البلاد التي تقوم مجتمعاتها على تعدد الأديان والطوائف والمذاهب.
فالدولة هي وحدها المؤهلة والقادرة والمطالبة بأن تكون الإطار السياسي الاجتماعي لمجموع مواطنيها، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية.
وليس الخروج على الدولة نزهة، فالفراغ مقتلة… وعند كل طائفة في لبنان تجربتها المريرة الخاصة حين أخذها جنون الحرب الأهلية إلى وهم إقامة »الدويلة« الطائفية.
مثل هذه »الدويلة« ستكون منذ لحظة استيلادها، خلافاً للطبيعة، صنيعة قوى خارجية، وستبقى طيلة مدة »حياتها« القصيرة حكماً، رهينة المصالح المتضاربة لتلك القوى… وكما قد تستولد في لحظة غفلة فلسوف تموت في لحظة التلاقي بين المصالح ولا تجد من يشيّعها إلى مثواها الأخير.
كذلك فليس الخروج من الدولة »مطلباً شعبياً« لأي فئة، مهما بلغت حدة اعتراضاتها على النظام أو الحكم القائم.
وليست هيمنة طائفة على الدولة إنجازاً، إلا لمن يريد تدمير الدولة وبالتالي الإقدام على الانتحار، أو نحر الطائفة، ولكن على طريقة »بيدي لا بيد عمرو«.
ولقد عاش لبنان تجربة هيمنة بعض الطوائف على الدولة والتحكّم بكل مواقع المسؤولية، ودفع ثمناً دموياً مكلفاً تكفيراً عن ذلك الخطأ…
وبمعزل عن الجداول والبيانات الإحصائية بعدد الضحايا وأرقام الخسائر التي تكبدها لبنان جميعاً، فإن »الحرب« قد انتقلت إلى قلب الطائفة المهيمنة، عندما تفجّر الصراع بين القوى القيادية التي حاول كل منها أن يدّعي الجدارة بتسلّم السلطة كاملة في الطائفة ثم في الدولة بإلغاء الآخرين جميعاً، ولا سيما »رفاق السلاح«، الطامحين إلى الموقع الأول والذي لا يتسع لأكثر من واحد.
بالمقابل، لا تستطيع الدولة أن تحل محل طائفة، أو أن تلغي طائفة، أو أن تكون لطائفة واحدة… وفي التجربة المرّة فإن من حاول أن يحاصر أو يحصر الدولة (والحكم) في طائفة أضرّ بالدولة من غير أن يفيد الطائفة، ولعله ربح قليلاً وإلى حين لكن مجموع اللبنانيين (وبينهم أبناء طائفته) كانوا في خانة الخاسرين.
* * *
يعرف البطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير هذه الحقائق، وهو قد عاش مرارات تجاهل البعض لمنطقها، ودفع الثمن غالياً وهو يتصدى للجنون الذي عصف ذات يوم بالناس جميعاً وعبر منطلقات طائفية كانت تحاول الهيمنة على الدولة.
ولعله في موقفه المعلن والشجاع في رفض »إسرائيل اللبنانية«، والخروج من الدولة أو الخروج عليها، وبمعزل عن تحفظاته أو اعتراضاته على هذا القرار أو ذاك، يحاول حصر الموضوع في إطاره السياسي: أي في التوجه بالمطالب التي يراها محقة إلى الحكم، بداية وانتهاء.
فالمعارضة أو الاعتراض على قرار أو على سياسة يعتمدها الحكم لا تقود إلى الخروج على الدولة أو منها إلا للراغبين في الانتحار.
أما الردود من خارج الدولة فلا تفعل إلا تبرير الغلط وتوسيع دائرة رقعته وإلحاق المزيد من الأذى بهذا الوطن الصغير المحاصر بأزمته الاقتصادية الخانقة، وهي هي أساس البلاء، والباقي ظواهر للمرض.

Exit mobile version