طلال سلمان

اميل لحود امر غد

غداً يوم آخر..
لم تزلزل الأرض زلزالها، لكن ما سيكون مع إميل لحود رئيساً مختلف قطعاً عما كان حتى اليوم، لا بالافتراض ولا بالتمني وإنما بقوة الدفع التي جاءت بهذا الذي لا يشبه أحداً من أعضاء نادي الحكم، الى سدة السلطة، وفرضته عليهم فرضاً… وبالإجماع!
السؤال فقط عن طبيعة الاختلاف ومداه، أي عن طبيعة الوعد الذي كان مضمراً وجهر به إميل لحود في أول كلمة رئاسية له: »أعرف مقدار الآمال التي تختزنها نفوسكم، وهي آمال عنوانها الرغبة في التغيير لبلوغ الأفضل سياسياً وإدارياً واقتصادياً واجتماعياً«.
أما الوجه الكوميدي للسؤال فهو في قدرة أعضاء نادي الحكم، بل الطبقة السياسية عموماً، على تمثيل دور »كاهن عين التينة« في الحكاية المعروفة، وهي قدرة شهدنا ونشهد فصولاً طريفة وموجعة منها حين صار الجميع »لحوديين« حتى العظم، وانتظموا في طابور نظام مرصوص وهم يؤدون »تعظيم سلام« للقائد الذي طالما حلموا به منقذاً، بغير أن نعرف ممن!!
ولولا الثقة بصلابة إميل لحود لخفنا أن تجرفه هذه السيول من التأييد والمبايعة والتبريكات التي يختلط فيها الحابل بالنابل، الصادق بالمنافق، الأمين المؤتمن بالسارق والمارق، المخاتل بالمجامل، وصاحب الغرض باستمرار الحال على هذا المنوال بصاحب المصلحة في التطهير والتغيير واقتلاع الفساد من جذوره.
فجأة هبط الإيمان بهذا الذي لا يعرف إلا القلة كيف يفكر، وما هي آراؤه في السياسة والاقتصاد وشؤون الحياة العامة، وتلاقى على تأييده كل المختلفين في ما بينهم والمختلفين عن الناس ومعهم، فإذا حشد المهنئين ينتظم الجميع، سياسيين ورجال مال وأعمال، يمينيين ويساريين وبين بين، طائفيين ومذهبيين وعلمانيين، مستعربين ومغربين، مقاومين ببسالة الدم المراق ومتضجرين من استمرار لبنان »جبهة وحيدة مشتعلة« في مواجهة إسرائيل!
لم يرتفع صوت واحد بالاعتراض، أو حتى بالتحفظ، مجرد التحفظ، ولم توجد في صندوقة الاقتراع ورقة واحدة بيضاء، كربط نزاع في انتظار نقاش يوضح المواقف، ولا أعلن أحد تأييده مشروطاً بتحقيق كذا أو تنفيذ كذا من المطالب أو المهمات.
بل لقد وضع إميل لحود على نفسه شروطاً وتعهد بما غفل عن طلبه المهللون والمشاركون في زفة الاحتفال.. بانتصاره عليهم!
»لديَّ القليل من الوعود والكثير من العمل والأمل، وسأسعى لأكون المثل والمثال«..
طبعاً سيقول كثير من أساتذة الكلام: هذا إنشاء جميل، غداً سينساه صاحبه كما سينساه الناس، غداً سيواجه »الواقع« فيغيّر في مسلكه وفي خطابه.
لكن ما قد يقلق البعض منهم أن يكون الرجل جاداً في إيمانه بأن »صلاح الأمور إنما يبدأ من رأسها«..
في أي حال فهم قد بدأوا عملية تطويقه بالعناق الذي قد يتسبب باختناقه، والذي يمكن أن يحدث اختلاطاً وتداخلاً بين الصح والخطأ، بين التمني والقدرات، بين المزوّر والحقيقي، بحيث يولد الالتباس… والالتباس مساحة ممتازة لاغتيال إرادة التغيير، خصوصاً أن بالإمكان تبرير العجز أو القصور بضرورة مراعاة الحساسيات الطائفية أو المذهبية، أو بضرورة حماية الذين لولا »تضحياتهم« وصمودهم ما قام هذا النظام، والذين أكدوا حسن نيتهم تجاهه حين فضلوه على أنفسهم فأخذوا إليه الرئاسة… مصفقين!
يتحدث عن الشباب، عن »أسئلتهم وتساؤلاتهم، عن الشكوك والتشكيك، عن الغربة في الوطن، عن التوق الى دولة جدية وعادلة، قادرة ومقدرة، مهتمة وواعية، يحكمها القانون وتديرها المؤسسات، يسودها الأمن وتصونها الحرية«؟!
لا بأس. فليتغاضوا عن هذا الكمّ من الشتائم واللعنات والمطاعن يوجه إليهم دفعة واحدة وفي سطور معدودة… البدايات متطرفة دائماً، ولا بد للطارئ على »النادي« من ان يرفع صوته لكي ينتبه الآخرون لدخوله ولحفظ حقه في المشاركة، بإظهار رصيده المميز الذي مكّنه من الاختراق.
»هم« أيضا يقولون: غداً يوم آخر!
»هم« أيضاً يراهنون على أن السلطة أكثر إغراءً، وأكثر وحشية، وأكثر عزلة، من أن يستطيع أن يصمد في مواجهتها إلا الأنبياء والقديسون، وأولئك غالبا ما كانوا يهربون منها حتى لا تفسدهم، أما من شدته فأخذته إليها فقد تخلى عن الرسالة وأسقط قداسته بيديه!
* * *
غداً يوم آخر..
هذا مطلب شعبي عارم.
وبغض النظر عن المبالغات وتظاهرات الرياء والتدليس، فإن الأكثرية الساحقة من اللبنانيين تطلب ولها الحق ان يختلف الغد عن اليوم، وهي قد أعطت إميل لحود أعز ما تملك: ثقتها وتأييدها واستعدادها لأن تسانده في اجتياز الصعب، وفي تحمّل المزيد من التضحيات، لكي يحقق ما يفترضون انه مؤهل لتحقيقه من آمالهم التي أحسن إيجازها، فلم يغرقها في خضم الكلام الأجوف الذي تعوّدوه.
غداً يوم آخر،
ومن حق لبنان أن يحتفي بهذا الوعد بعهد جديد، جديد..
ومن حق الرئيس السوري حافظ الأسد على لبنان أن يتقدم منه بالشكر، لأن اختياره جاء متطابقاً مع إرادتهم التي عبّروا منها على امتداد السنوات الأخيرة عن ضرورة التغيير، الذي بات موازياً للإنقاذ.
لقد دخل حافظ الأسد قلوب جميع اللبنانيين، أكثر من أي يوم مضى، وتبدى كبيراً، متعالياً عن المخاصمات والكيديات، مسفهاً كل المقولات حول التخوّف من الأقوياء، مسقطاً كل الادعاءات عن الرغبة في الهيمنة على لبنان ومصادرة قراره.
وعبر إميل لحود تكتسب عروبة لبنان معنى أكثر جدية وأكثر ديموقراطية وأكثر سماحة من أي يوم سبق.
وعلينا الآن مواكبة هذا »الجندي« وهو يؤدي مهمته الشاقة الجديدة من أجل أن يكون الغد يوماً آخر، فعلاً لا قولاً، وفي الممارسة العملية لا في التمني المهيض الجناح.
وداعاً أيها »العماد«، أهلاً أيها الرئيس الآتي إلى الصعب، بل إلى الأصعب.
فقط رجاء: احفظ رصيدك الممتاز، وأَفد منه سريعا، وقبل أن يستعيد المتضررون من اقتحامك النادي، بمواصفاتك التي يمتقون، تضامنهم ووحدة موقفهم في وجه وعودك وتعهداتك المرتجاة.
وأنت الأقوى بالمطلق إذا بادرت… فلم يتوفر لأحد ما يتوفر لك من دعم في الداخل، ومن تأييد عربي عنوانه »سيف دمشق«، ثم بعد ذلك تأتي الدول التي تعرفها وتعرفك، فلا مجال للخديعة أو للوهم.
وليكن التوفيق حليفك ليكون غدنا يوماً آخر فعلاً!

Exit mobile version