طلال سلمان

امن اسرائيلي ارهاب اميركي

بسرعة قياسية، ألغت الإدارة الأميركية الجديدة »الحدود« بينها وبين حكومة أقصى التطرف الإسرائيلي بقيادة أرييل شارون، فتولت بالنيابة عنها توجيه »الإنذارات« إلى الفلسطينيين خصوصا، وإلى »دول الجوار« عموما أي سوريا ولبنان (ومصر ضمنا) إضافة إلى العراق التي كانت الغارات الجوية على بغداد »الرسالة الأولى« ذات الدوي، في سياق مفتوح.
ولم يتورع الرئيس الأميركي جورج بوش عن أن يتولى شخصيا توجيه »التهديد« إلى رئيس السلطة الفلسطينية، مباشرة، و»بصوت عال وواضح«، طالبا منه عشية الاحتفال بيوم الأرض، وهو العيد الفلسطيني وقف الانتفاضة بغير قيد أو شرط، كمثل استئناف المفاوضات، ولو بغير برنامج زمني وبغير تعهدات محددة، أما المقابل فهو: دعوة إسرائيل إلى ضبط النفس… أي عدم الاندفاع في جنون القتل إلى الإبادة الشاملة للفلسطينيين.
في السياق نفسه، كان مساعد وزير الخارجية الأميركية إدوارد ووكر يوجه »إنذارات« مماثلة إلى لبنان وإلى سوريا، بذريعة أن الوضع في الجنوب »خطير« وأن على الدولة اللبنانية »ملء الفراغ الأمني الذي خلفه الانسحاب الإسرائيلي«؟
المعنى واحد في الإنذارين: فأمن إسرائيل هو الأساس وهو الغاية، أما أمن الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين، فضلاً عن حقوقهم في أرضهم، فتلك مسألة فيها نظر.
بل أدهى من ذلك، مطالبة الفلسطينيين واللبنانيين ومعهم السوريين بأن يكونوا حراسا للأمن الإسرائيلي وإلا…
لكأن الإدارة الجديدة تحاول »تأديب« كل من خرج على »التوجيه« الذي أصدرته إلى القمة العربية في عمان، عشية انعقادها بالغارات الجوية على بغداد ثم بالتهديدات التي طاف بها وزير الخارجية الجنرال كولن باول على العواصم العربية.
وبديهي ألا ترتاح الإدارة الأميركية إلى المواقف المبدئية الشجاعة التي صدرت عن لبنان وسوريا في القمة وقبل ذلك إلى الخطوات العملية التي اتخذها الرئيس السوري بشار الأسد مجددا فيها التزام سوريا بأن تضع كل أوراقها في خدمة القضية الفلسطينية.
بديهي أيضا أن تنزعج واشنطن وإلى أقصى حدود الانزعاج من الشجاعة الأدبية التي تحلى بها الرئيس بشار الأسد وهو يتحدث عن »إسرائيل كمجتمع عنصري أكثر من النازية«، مطالبا العرب »بعدم تقزيم قضاياهم والتحرك بحركة عدوهم الداخلية، وباتخاذ القرار الجريء والواضح لمواجهة الشارع الإسرائيلي، المتطرف بطبيعته، والذي تعوّد قادته أن يأخذوا كل شيء ولا يعطون شيئا«.
ان تهديدات الرئيس الأميركي تستهدف، أول ما تستهدف، منع عودة الروح إلى العلاقات السورية الفلسطينية، وإرهاب ياسر عرفات وقيادة الانتفاضة، وهو إرهاب لم تتأخر المدافع والمروحيات والدبابات الإسرائيلية عن ممارسته فعليا، على الأرض، في يوم الأرض، حاصدة كوكبة جديدة من الشهداء.
والتهديدات الأميركية تعكس، في بعض وجوهها، قلق الإدارة الأميركية على حليفها السفاح الإسرائيلي المستعاد إلى مسرح الجريمة مجددا، أرييل شارون، والذي قد يذهب به الإرهاب الذي لم يحم أسلافه!
ومؤكد أن القيادة السورية كانت تعرف باليقين أن الإدارة الأميركية ستلجأ إلى مثل هذه التهديدات، ومع ذلك لم تتردد في اتخاذ الموقف القومي، مع وعيها بكلفته العالية.
والحرب سجال.. والأرض هي التي تحسم.

Exit mobile version