طلال سلمان

امر عمليات لخدمة احتلال

إنه »أمر عمليات« صادر عن قيادة الاحتلال الأميركي وليست »فوضى« أشاعها السقوط المباغت للنظام الذي تمّ تصويره وكأنه قوة عظمى أبسط مصادر جبروتها »أسلحة الدمار الشامل« التي تبخّرت قبل الطلقة الأولى لجيوش الاجتياح.
إنها فوضى مقصودة ومنظمة ومحمية جداً، لأنها أكثر ما يحتاجه الاحتلال لتمويه حقيقته. لكأنها قناع يخفي وجهه البشع ويموّه حضوره المرفوض… ويصرف أنظار العالم ولو إلى حين عن الواقع الجديد المفروض بقوة الحديد والنار ملتهمة الجيوش والمدن وأسباب الحياة!
لكأنه تبرير لاحق لهذا »الاحتلال من أجل الديموقراطية«: فالحاكم المخلوع طاغية، والشعب المقموع أشتات من »أبناء السبيل« السَوَقة النهابين الذين لا يتورّعون عن سرقة المتاحف والبيوت والإطارات والأحصنة وأثاث المكاتب وسيارات الإسعاف والإطفائية وأسرّة المرضى في المستشفيات!
إنها فوضى منظمة تحرسها بنادق الاحتلال، ويفرح بها جنوده إلى حد أنهم يصوّرونها ليؤكدوا مهمتهم التحضيرية!
… ثم إنها قد تفيد كتمهيد نافر للحرب الأهلية، خصوصاً إذا تمّ »تخصيص« السرقات بحيث يكون السارقون من طائفة (كما يريدون أن يروّجوا في بغداد) والمسروقون الضحايا من طائفة أخرى، أو يكون الناهبون من عرق (كما صوّروا ويصوّرون الأمر في كركوك ثم في الموصل) والمنهوبون من عرق آخر.
على هذا لا يكون العيب التبرير اللاحق للاحتلال محصوراً في نظام الطاغية بل هو يشمل العراقيين جميعاً، شيعة وسنّة وكلداناً وأشوريين وصابئة، عرباً وكرداً وتركماناً وأقليات أخرى.
هل يستحق شعب يسرق المتاحف أقل من حكم عسكري مباشر بجنرالات أميركيين يخدمهم و»يرشدهم« إلى واقع هذه الفسيفساء العراقية بعض الموظفين المتقاعدين كمستشارين وإداريين و»نسابة« يعرفون أصول العشائر وفروعها والبطون؟!
صحيح أن كل متاحف الدنيا، لا سيما أهمها وأغناها بمقتنياته، تضم كنوزاً من تراث بلاد ما بين النهرين، مهد الحضارة الإنسانية، لكن أهل عراق الألفية الثالثة متخلفون وهمجيون بحيث يسرقون القطع النادرة التي لا يعرفون قيمتها ويحطمون الفخاريات التي تعود بتاريخها إلى ما قبل التاريخ!
جورج بوش ليس هولاكو… إنه رسول الديموقراطية وحقوق الإنسان والمبشّر بإعادة توزيع الثروة، لكن العراقيين ينفذون تعاليمه بطريقتهم الخاصة! وبالتالي فلا بد من »تحضيرهم«.
أمس، كشف جنرالات الاحتلال بعض الغرض من هذه الفوضى المنظمة والتي تحظى برعايتهم: ستكون الفوضى هي المبرّر المعلن لزيادة عديد قواتهم، وهذه المرة بذريعة حفظ الأمان والنظام في المدن العراقية المهددة… من طرف اللصوص العراقيين!
على أن شعب العراق أقوى من الاحتلال، وها هم العلماء ووجوه الأحياء والشجعان من الرجال ومشايخ العشائر قد باشروا تصديهم لهذه الظاهرة الخطرة بما تقدمه من خدمة للاحتلال… وها هم العراقيون عموماً قد نزلوا إلى الشارع يحمون ممتلكاتهم
ويستعيدون بعض المسروقات فيجمعونها في المساجد، ريثما يستطيع أصحابها التعرّف عليها.
وقد تتطور هذه الظاهرة إلى »لجان شعبية« في بغداد والبصرة والموصل وكركوك والنجف وكربلاء والحلة والعمارة والديوانية الخ، تتولى ما هو أغلى من ممتلكات العراقيين: حماية العراق المخرّب بالاحتلال من التشوّه والفتن التي قد تبرّر الاحتلال وتوفر له أمنه الذي لم تعد تنفع الطائرات والصواريخ في تأمينه وقد بات الآن متحكماً وقد يغدو غداً أسيراً في هذه المدن التي يريدها معتقلات لأهلها وحقوقهم في بلادهم!
اللجان الشعبية، في الأحياء والقرى والدساكر، خطوة أولى على طريق حماية الذات من الاحتلال. إنها الرصاصة الأولى في مقاومة مرشحة لأن تطول.

Exit mobile version