طلال سلمان

اماع مريب على ديموقراطية

الإجماع، عادة، مريب أو أقله موضع شبهة، فكيف إذا ما أجمع النواب والحكومة بكامل هيئتها على أمر خطير كمثل إجراء الانتخابات البلدية في مطلع حزيران المقبل؟!
لقد تبدى من النقاش الذي سبق إقرار المشروع في المجلس النيابي أن الإجماع كان أقرب إلى التواطؤ منه إلى التوافق.. فلقد كان همّ النواب أن يردوا عنهم الاتهام بأنهم لا يريدونها، ولم تكن الحكومة لتقبل أن تواجه الناس بأنها السبب، فكان أن اتفق الجميع على »كسب الوقت« مئة يوم عزيزة، قد يموت خلالها القاضي أو المدّعي أو المدعى عليه أو »القضية« ذاتها، حتى لا نقول.. »الحمار«!
واقع الأمر غير هذا، ولأسباب منطقية »مكشوفة«، بينها:
} أن معظم النواب، ولا سيما الذين جاؤوا محمولين على لوائح التزكية التي فرضها »الوضع الإقليمي« يعرفون أنهم سيخسرون »هيبتهم«، إذ ستنكشف الكذبة ويفتضح أمر الأرقام الفلكية التي نالوها في الانتخابات النيابية، وتظهر حقيقة شعبيتهم أو صحة تمثيلهم للمناطق التي أُوصلوا باسمها إلى تحت القبة في ساحة النجمة.
ومن دون توغل في التفاصيل فإن محافظات الجنوب والنبطية والبقاع التي لم تشهد انتخابات حقيقية ستكون مسرحاً لفرز فعلي يحدّد قوة كل طرف سياسي قياساً إلى الأطراف الأخرى، ومن باب أولى القوة الذاتية لكل من النواب »المحمولين« في مواجهة الوجاهات المحلية أو القيادات الشابة التي تمارس تأثيرها داخل بلداتها أو قراها عبر أنشطة ثقافية أو اجتماعية أو عبر وعد بالأفضل.
} ان العديد من الوزراء النواب الذين يجمعون الآن »المجد« من أطرافه لا يختلفون في الموقف الفعلي عن زملائهم المتخوّفين على مكانتهم الذاتية أكثر مما هم حريصون على صحة الديموقراطية.
} ان العديد من »الزعامات« المهيمنة الآن بقوة »شعبيتها« المعززة رسمياً بعشرات الألوف من الأصوات، والتي باسمها صادرت تمثيل طوائف أو مذاهب أو مناطق أو هذه جميعاً، ترى في الانتخابات كابوساً مرعباً لأنه سيزلزل ادعاءاتها بوكالتها الحصرية عمَّن تدعي النطق باسمهم و»رعاية« مصالحهم و»حماية« كرامة انتماءاتهم الدينية إضافة إلى الموقع الممتاز في الجمهورية الثانية.
}} في الجانب الآخر، وعلى سبيل المثال وليس الحصر، فمن البديهي أن يجتمع أهل السلطة كلهم لمنع »حزب الله« من البروز كقوة شعبية لها جذورها الضاربة عميقاً في الأرض.
صحيح أن للحزب الآن بضعة نواب، لكنه ما زال خارج المؤسسات الشعبية المنتخبة، كالبلديات والهيئات الاختيارية، ودخوله فيها وإمساكه بعشرات البلديات سيمنحه الفرصة التي عزّت عليه حتى الآن، أي التجذر في المدن والبلدات والقرى عبر الخدمات الحيوية والتقديمات اليومية المباشرة التي توثق علاقاته بالناس أكثر فأكثر.
وفي هذا الإطار، يمكن للحزب أن يشكل »قوة حماية« أو »قوة ردع« توفر فرصة ممتازة لفوز العديد من الوجوه الجديدة، من الكادرات المؤهلة (أطباء، مهندسين، محامين، أساتذة جامعات، موظفين كبار متقاعدين أو مستعدين لترك الوظيفة إلى العمل العام)..
}} في المقابل، إن عدداً من الأحزاب السياسية التي تحتل الآن مقاعد نيابية ووزارية بأكثر مما تؤهلها قاعدتها الشعبية المتهالكة أو المرمَّمة بقوة النفوذ وإغراءات السلطة، ستكون مهدَّدة بالانكشاف، إذ سيظهر أن بعض نوابها أضعف من أن يفوزوا بعضوية مجلس بلدي فكيف بالوصول إلى البرلمان.. عدا عن الوزارة؟!
هذا قبل الحديث عن الآثار »الدولية« للانتخابات البلدية، والمعاني التي ستستخلصها بعض قوى الهيمنة الغربية، الأميركية أساساً، إضافة إلى إسرائيل، من دلالات فوز »قوى التطرف« بهذه البلدية أو تلك، والتأثيرات المحتملة لذلك الفوز على »العملية السلمية« ومن ثم على قوائم الدول المتهمة »برعاية الإرهاب«!
والحكومة كما المجلس، بمجمل هيئتيهما، يعرفان هذا كله.
لكنه كان على كل »مؤسسة« أن تدفع عن نفسها تهمة معاداة الديموقراطية أو تجنّب كأسها المرّة، فكان لا بد من التواطؤ لإظهار القبول، بل الحماسة للانتخابات البلدية، وفي الوقت ذاته نصب الأفخاخ لاغتيالها بعبوات »وطنية« ناسفة كالوضع الاستثنائي في الجنوب، أو حراجة المواجهة مع العدو الإسرائيلي، أو الخشية على تصدع الوحدة الداخلية، أو الخوف من الفتنة الطائفية، أو ضرورة الالتفاف على »الأصوليات« مسيحية وإسلامية ومنعها من تزوير إرادة الناس بالإرهاب إلخ..
فهل يستطيع الناخبون العزَّل حماية »إرادتهم« المكرّسة الآن بالإجماع التواطؤ بين »الممثلين الشرعيين« لهذه الإرادة المصادرة.. ديموقراطياً؟!
ويا أيتها الديموقراطية اللبنانية.. كم من الجرائم ترتكب باسمك!!

Exit mobile version