طلال سلمان

الى ماليزيا يا فخامة رئيس

ببساطة مطلقة نقول: ليس من حق الرئيس إميل لحود أن يغيب عن القمة الإسلامية التي ستنعقد، بعد غد الخميس، في ماليزيا.
نقول أكثر: إن من واجب رئيس جمهورية لبنان، بالذات، أن يشارك في هذه القمة تحديداً، لأسباب عدة تتعدى »طبيعتها الخاصة« و»توقيتها الاستثنائي«، لتركز على »الموقف« الذي لا بد أن يصدر عنها، والذي يفترض أن يتضمن ما يتعدى التأييد العاطفي إلى توفير المساندة الجدية في مواجهة التهديدات الإسرائيلية الجدية، والضغوط الأميركية الشرسة.
إن المشاركة في هذه القمة »أمر مهمة« أو »أمر اليوم« بلغة العسكريين التي يفهمها تماماً ويدرك موجباتها الرئيس العماد.
بمعنى آخر فإن الغياب عنها »تخلف« أو »تقصير« في أداء واجب وطني، نفترض أن الرئيس لحود لا يمكن أن يقصّر في الالتزام به.
نعرف أنه ليس من طبع الرئيس لحود أن يشارك في المؤتمرات الدولية التي يحتشد فيها الملوك والرؤساء، وينفقون أياماً أو ساعات طويلة في مناقشات مستفيضة، وفي مجاملات منهكة للأعصاب والوقت، وفي مسلسل من التشريفات واللقاءات البروتوكولية التي لا تنتج غير الصور الملونة والأحاديث في العموميات التي غالباً ما تموّه أو تغطي الخلافات أو الافتراق السياسي.
ونعرف أن الرئيس لحود قد أدار مرغماً، وبغير رغبة جلسات القمة العربية التي جاءت إلى بيروت »تبرعاً« من الشيخ زايد بن سلطان، وكذلك جلسات القمة الفرنكوفونية التي اختار لها بيروت موعداً الرئيس الفرنسي جاك شيراك، توكيداً لصداقته العميقة للبنان، حتى لو تبدى وكأن عنوانها الرئيس رفيق الحريري.
لكن القمة الإسلامية في ماليزيا تأتي في اللحظة المناسبة تماماً لحشد التأييد السياسي المؤثر في مواجهة الضغوط والتهديدات الأميركية الإسرائيلية، التي انتقلت من خانة التلويح بالقوة إلى استخدامها فعلاً، وإلى الإعلان المتبجح بأنها ستعتمد بعد اليوم، مع سوريا ومع لبنان، كما مع فلسطين، باعتبارها »اللغة الوحيدة التي تفهمها هذه الأقطار الإرهابية« التي يمكن للشارونيين في واشنطن وتل أبيب تنسيبها ببساطة إلى »محور الشر« تمهيداً للحكم.. بإعدامها!
إن قيمة لبنان هي دائما »معنوية« و»رمزية« أكثر منها مادية، أي اقتصادية وسياسية. إنها تتعدى السياسة إلى ما هو أخطر وأبقى. فلبنان برئيسه »العربي المسيحي« شهادة »لأهله« العرب، ولمحيطه الإسلامي، بقدر ما هو شهادة جدارة لشعبه وتأصل الروح الوطنية والديموقراطية فيه.
ليس لبنان »وسيطا« بين العرب والغرب: إنه من العرب في الصميم،
وليس »مترجما« بين العرب والمسلمين، إنه ابن شرعي لأمته، وهو شهادة بالأهلية والتقدم لمحيطه الإسلامي.
كذلك فلبنان هو الضحية النموذجية، بعد شعب فلسطين ومعه ومع سوريا، للاعتداء الإسرائيلي المفتوح المعزز بالدعم الأميركي المفتوح… وحضور لبنان الفاعل في هذه اللحظة يساعد على لجم التوغل الإسرائيلي داخل العالم الإسلامي الذي يتم برعاية أميركية مباشرة.
إن موجبات حماية الذات، قبل التضامن مع فلسطين الجريحة، ومع سوريا التي اخترقت سيادتها بقصد إلحاق الأذى بصمودها السياسي، تفترض أن يتمثل لبنان بأعلى مستويات حكمه في هذه القمة.
لقد طالما كرمت القمة الإسلامية لبنان بشخص رئيسه »المسيحي« وأحاطته برعاية خاصة، لأن الحفاوة به تفيدها في نفي شبهة التعصب عنها، وتؤكد الطبيعة السمحاء للدين الإسلامي، وتغلب الموجبات السياسية على التلطي وراء الشعارات غير السياسية المغلفة بالتعابير الفقهية المطاطة، للهرب من الواجب الوطني القومي الديني بمواجهة المحتل والمعتدي بمثل ما يستحق وما يفرض عليه وقف عدوانه.
إنه »امتياز« للبنان والعرب علينا ألا نخسره..
ثم إن ماليزيا دولة صديقة، ورئيس حكومتها من أصدقاء لبنان،
والطائرة الحربية الإسرائيلية في الجو، تحوم فوق رؤوسنا، وتطلق هديرها قويا حتى يكاد يصم آذاننا ونحن نكاد نكون مع سوريا وحدنا، لا ينافس هديرها إلا ارتفاع الأصوات التي كانت ملجومة والتي انطلقت الآن تروج للاستسلام.
إنه »أمر مهمة« يا فخامة الرئيس. ولم نتعود منك أن تغادر الميدان في زمن السلم، فكيف في زمن الحرب.
أما »المعارك الداخلية« فيمكنها أن تنتظر بضع ساعات!

Exit mobile version