طلال سلمان

الوطن العربي الكبير.. بلا دول: ولايات اميركية بمشاركة تركية.. وحصة اسرائيلية

يتبدى الوطن العربي الآن، لا سيما في مشرقه وبعض مغربه، وكأنه “الأرض الخراب”: دوله تتصدع وتتهاوى حتى تكاد تندثر، فالأنظمة التي كانت تسمى “تقدمية” هي الآن بضع دكتاتوريات، لا فرق بين “الجمهورية” منها و”الملكية”، والاميركيون في كل مكان، براً وبحراً وجواً، واسرائيل “دولة” عظمى، تتحرش بلبنان جواً وبراً، وتضرب ايران في سوريا، حيث تشاء، متجنبة الصدام مع “روسيا الصديقة”، والعراق مهدد- ـ كدولة ـ بالتفكك، والاردن محمية اسرائيلية ـ اميركية..

أما لبنان فالثورة المستحيلة فتكاد تصطدم بالجدار المكهرب لنظامه المدول الذي لا مكان فيه للشعب لأن “الدول” التي ابتدعته حصنته بالطائفية والمذهبية، لتحول شعبه الى رعايا لزعماء الطوائف التي ترعاها وتحصنها في الغالب الاعم “دول الخارج” مع حصة وازنة للدولة العربية الاقوى لحفظ التوازن، حتى لا تقع الواقعة.

يتسع الظل الاميركي الاسود بامتداد الوطن العربي، ومعه وفيه بطبيعة الحال الاختراق الاسرائيلي، ويتساقط تدريجياً “الحرم” عن التعامل مع “كيان العدو” ويتباهى نتنياهو بأنه بات قادراً على التجول في معظم انحاء الوطن العربي، من مسقط إلى المغرب، مروراً بمصر كمب ديفيد، ثم يفترض انه يقترب من فرض نفسه على العراق بعد “الهزيمة الحتمية للمشروع الايراني”.

لا دولة مستقلة في الوطن العربي الآن: الجزيرة بخليجها ودولها محميات اميركية مع مشاركة تركية تافهة في قطر؟ ومحاولة للمشاركة مع دول أخرى كثيرة في احتلال ليبيا والتحكم بمستقبل وجودها كدولة موحدة، والاردن قاعدة للأميركيين، تسترهنه اسرائيل في أمنه، وتبتزه دول النفط والغاز في معاش اهله، وفي سوريا تحاول دولتها حفظ وجودها وحماية حدودها، فتستعين بالروس جواً وبإيران براً وتقاتل تركيا شمالاً وشرقاً، واقتصادها مأزوم وعملتها تنهار، وثلث شعبها مشرد بين تركيا ولبنان والاردن وبعض اوروبا والاميركيتين..

الجامعة العربية أثر بعد عين، ومؤسساتها التوحيدية مجرد تكيات سلطانية لعدد من المنتفعين المنسيين، وقد أُسقط العداء عن العدو الاسرائيلي بعدما صالحته مصر والاردن، واختفت دولة ليبيا، وانشغلت سوريا بهمومها الثقيلة، ويعيش العراق صراعاً يقارب الحرب الاهلية بين “مكوناته”، فينعزل الاكراد في “كانتونهم” مع أن النظام قد منحهم رئاسة الدولة، ويعاني “اهل السنة” من تقبل مرحلة ما بعد صدام حسين، ويعجز الشيعة ـ كالعادة ـ عن قيادة الدولة، لا سيما وان المؤهلين لمثال هذه القيادة، والعائدين بمعظمهم من المنفى، متشوقون للحكم إلى درجة الشراهة، معظمهم فاسد وطائفي، والاقلية منهم مغضوب عليها من الأميركيين كما من لصوص الهيكل.

خلا الجو في المنطقة لدول النفط والغاز، التي يتحكم الاميركيون بثرواتها كما بقرارها السياسي، فاقتحمت السعودية اليمن وباشرت قتال اليمنيين بعد خلع علي عبدالله صالح، و”فبركت” دولة الامارات جيشاً من المرتزقة، نصفه من السودان ونصفه الآخر من بنغلاديش ودول فقيرة أخرى.. وهكذا تقاسم السعوديين والاماراتيون الذين تقل اعدادهم مجتمعين عن اعداد اليمنيين “الجمهورية اليمنية”، فاستولى السعوديين على بعض الشمال في ظل حرب مفتوحة، بينما قفز الشيخ محمد بن زايد بالمرتزقة إلى عدن وجوارها في جنوب اليمن ليحرض الاهالي على الانفصال عن صنعاء.. فاذا بهم يحاولون استعادة “امجاد جمهورية اليمن الديمقراطية” في الجنوب.

على هذا، فعواصم الامجاد العربية الآن هي الرياض والدوحة وابو ظبي ومعها دبي، في حين تسرح اسرائيل وتمرح في مختلف ارجاء الوطن العربي.

القاهرة مشغولة بذاتها، وقد ابتعدت عن موقع القيادة، وارتضت بالعدو الاسرائيلي شريكا في الغاز المصري وفي “حفظ الامن” بالشراكة معها في البحرين الاحمر والابيض، ويفرض سيطرته بالجو على مختلف انحاء العالم العربي، ونتنياهو يتنقل بين القاهرة وعمان ومسقط، بلا مواكبة.

انه العصر الاسرائيلي وليد العصر الاميركي، وليد التقهقر العربي وتغييب الشعب عن القرار.

المثال الابرز يتجلى في لبنان: فمنذ تسعين يوماً يقيم الشعب في الشارع و”الدولة” غائبة، بلا حكومة، والمجلس النيابي معطل،

… ولما ضاق صدر ما تبقى من الدولة بهذا الحراك بعثت بقواتها الامنية لتواجه عاصفة الغضب في الشارع، فاذا الجرحى بالعشرات والمعتقلون (مؤقتاً؟!) بالمئات.

لا دولة في هذا المشرق العربي الا اسرائيل،

ولا دولة في الوطن العربي عموماً الا اسرائيل،

هليلويا، هليلويا.. دقي يا مزيكة!

تنشر بالتزامن مع السفير العربي

Exit mobile version