طلال سلمان

الهراوي ضيفا على حكمة زايد

أكثر ما كان يحتاجه الرئيس الياس الهراوي إجازة قصيرة وهادئة في ضيافة كريمة،
وليس أفضل من الشيخ زايد مضيفاً كريماً وصاحب خبرة عريضة في تهدئة المُغضبين أو المتوترين أو المستوحدين.
ولقد غادر رئيس الجمهورية بيروت في الفاصل بين »مسيرتين« تعكسان توتراً حقيقياً في الشارع، وإن تحرّكت الأولى بدافع الغضب من الزواج المدني، والثانية تحت لافتة الفرحة بنصر رياضي رأى فيه محققوه تعويضاً »رمزياً« عن بعض ما يفترضون أنهم قد خسروه عملياً.
كذلك غادر رئيس الجمهورية بيروت والسلطة منشطرة على ذاتها حول موضوعات غير تلك التي تقلق الناس وتقض مضاجعهم، مما يتصل بالاحتلال الإسرائيلي ومناورة نتنياهو بالقرار 425، إلى أمور معاشهم والضائقة التي تفاقم مَن تصدّع مجتمعهم الذي ما زال يعاني من الآثار المريعة للحرب الأهلية على وحدته ومنظومة قيمه.
لقد ذهب الياس الهراوي إلى خير ناصح،
فالشيخ زايد لا يداور ولا يناور، ولا يجامل أو يختار من الألفاظ أكيسها وأكثرها دبلوماسية، بل هو يقول ما يراه بعفوية تعززها براءة القصد وحسن النية وإرادة الخير،
ولأنه محب للبنان وللبنانيين، وبريء من مرض الانحياز، ومتطهر من الإثم الطائفي، فسيُصدق الشيخ زايد الياس الهراوي القول، وسيفيده بخبرته المتأتية عن تجربته الطويلة، وقد عززت فطرته البدوية فجعلته حكيماً على بساطة، يستند إلى البديهيات متخطياً الفذلكات اللفظية التي غالباً ما تغطي أو تموّه الأغراض، ويعود إلى الأصول متجاوزاً التفاصيل التي يكمن فيها الشيطان.
والأرجح أن الرئيس الهراوي سيسمع من الشيخ زايد أن وحدة البلاد هي الهدف الأسمى، وأن الأوطان تبقى والمناصب زائلة، وأن التجربة اللبنانية رصيد ممتاز للعرب وهي تؤكد نجاحها، في حين أنها تنقلب إلى كارثة عليهم إن تهدّدها الفشل أو أصابها العطب، وإن الشرط البديهي لمقاومة الاحتلال هو تدعيم الوحدة الداخلية وتجاوز الحساسيات الطائفية والمذهبية والأغراض الشخصية.
وقد يستذكر الشيخ زايد مع ضيفه ما حاوله، أيام المحنة، وما قدمه من مبادرات هي أهم من المساعدات، ثم ما قدمه شخصياً ومعه دولة الإمارات للمساعدة في إعادة الإعمار بعد انتهاء الحرب الأهلية، لكي يؤكد استعداده لمد يد العون مجدداً من أجل عودة لبنان معافى إلى أهله العرب وعودة أهله إليه.
أما الرئيس الهراوي فمواجعه كثيرة، اولها في »شركائه الاعداء«، وآخرها في حالة الهياج التي افتعلها »معارضوه غدا« متخذين ذريعة من مشروعه المقترح للزواج المدني الذي رآه هو مدخلا الى الغاء الطائفية السياسية،
وسيؤكد الهراوي صفاء نيته حتى وان اخطأ في الاسلوب او في التوقيت، وخلو عرضه من الغرض حتى وان اتهمه البعض بانه قد سكب زيتاً على النار الطائفية، مستشهداً بتاريخه الشخصي والعائلي ليؤكد علمانيته وبراءته من التعصب.
***
لن يعود الرئيس الهراوي من رحلته القصيرة هذه متوتراً كما ذهب، ومستفزاً لكرامته فيرد على التحدي بالتحدي.. ولو خسر احتمال التمديد.
سيعود، بالتأكيد، اكثر هدوءاً، وأكثر استعداداً لسماع صوت العقل، وأكثر تنبهاً للخطر الأعظم الذي يحيق بالبلاد، وخصوصاً أنه يعرف ان ما تبدى من المناورة الاسرائيلية بالقرار 425 ليس إلا رأس جبل الثلج والآتي أعظم،
ويفترض، بالمقابل، ان يعود الرئيس رفيق الحريري، وقد سمع في كل من الرياض وجدة ثم في دمشق، ما ينبهه الى ان لبنان قد خسر وقتاً ثميناً نتيجة لمعارك القنابل الدخانية والصوتية التي تفجرت فيه فشغلته عن عدوه، وكادت توقظ فيه اسباب الفتنة الداخلية فتشغله عن الخطر الحقيقي الذي يلعلع بصوت بنيامين نتنياهو وأعوانه على مدار الساعة.
ولقد اتيح للرئيس الحريري خلال وجوده في السعودية ان يلمس الاستنفار العربي لمواجهة التحدي الاسرائيلي الذي تكاملت صورته مرة جديدة في محاولة تذويب ما تبقى من فلسطين، كما في محاولة عزل سوريا والاستفراد بلبنان…
وما الحديث عن قمة عاجلة يشارك فيها لبنان الا بداية الجهد العربي للتصدي لهذا الطور الجديد من تحدي التطرف الاسرائيلي وقد تعاظم فشمل مع اوروبا »الحليف الاستراتيجي«: الولايات المتحدة الاميركية.
ألا تكفي كل هذه »الحيثيات« لإحياء مجلس الوزراء واستنهاض المجلس النيابي واستعادة مؤسسات الحكم دورها الطبيعي بدل ان تخلي الشارع والسرايات لما يفرق ويقسم ويضعف، تارة تحت لافتة الانتصار بالله على الوطن وطوراً تحت لافتة الفرح بالانتصار الرياضي على العرب بينما »نتنياهو« على الأبواب؟!

Exit mobile version